ثم نبّه الله تعالى في ختام الآية إلى وجوب التّفكّر في تلك الآيات السّماوية والأرضية ، فقال: (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) أي إن في مخلوقات الله وعجائب خلقه وآلائه وحكمه لدلائل وبراهين لمن يتفكّر فيها ويعتبر بعظمتها ، فيستدلّ بها على وجود الله تعالى ، وقدرته ، وكمال علمه ، وإرادته ، مما لا يوجد له مثيل في الكون ، وذلك يستوجب تخصيصه بالعبادة ، والخضوع لسلطانه ، والتّزام أوامره.
ومن الآيات الأرضية اختلاف أجزاء الأرض بالطبيعة والماهية ، وهي مع ذلك متجاورة فقال تعالى : (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ ..) ، أي وفي الأرض أجزاء يجاور بعضها بعضا ، ويقرب بعضها من بعض ، وهي مع تجاورها مختلفة متغايرة الخواص ، فمنها طيب ينبت ما ينفع النّاس ، ومنها سبخة مالحة لا تنبت شيئا ، ومنها صالح للزّرع دون الشّجر وبالعكس ، ومنها الرّخوة ومنها الصّلبة ، وتختلف ألوان بقاع الأرض ، فهذه تربة حمراء ، وهذه صفراء ، وهذه بيضاء ، وهذه سوداء ، وهذه محجرة ، وهذه مرملة ، وهذه سميكة ، وهذه رقيقة ، والكلّ متجاورات ، وهي مختلفة الصّفات ، مما يدلّ على وجود الخالق المختار ، الذي لا إله إلا هو ، ولا ربّ سواه.
وفيها بساتين من أعناب ، وزروع متفاوتة من حبوب مختلفة لتوفير غذاء الإنسان والحيوان ، ونخيل صنوان وغير صنوان ، والصّنوان : ذو الأصول أو الجذوع المجتمعة في منبت واحد كالرّمان والتّين وبعض النّخيل ، وغير الصّنوان : ما كان على أصل أو جذع واحد كسائر الأشجار. جاء في الحديث الصّحيح الذي أخرجه التّرمذي أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لعمر : «أما شعرت أن عمّ الرّجل صنو أبيه». وقال البراء رضياللهعنه : الصّنوان هي النّخلات في أصل واحد ، وغير لصّنوان : المتفرّقات.
ويظهر التّفاوت العجيب في بقاع الأرض وأصناف النّبات في أن الأرض