لغايات معينة في مدّة معينة لمنافع الخلق ومصالح العباد ما داموا في الدّنيا وحتى تقوم السّاعة ، يدبّر الله فيها الأمر ، أي يصرفه على ما يريد بالإيجاد والإعدام والإحياء والإماتة والإغناء والإفقار ، وإنزال الوحي وبعثة الرّسل وتكليف العباد ، ويبيّن الآيات ، فمن قدر على هذه الأشياء يقدر على الإعادة ، لذا قال : (لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) وهذا إثبات للألوهيّة والرّبوبية والمعاد يوم القيامة ، فمن كان يمكنه تدبير من فوق العرش إلى ما تحت الثّرى بحيث لا يشغله شأن عن شأن ، فكذلك يحاسب الخلق بحيث لا يشغله شأن عن شأن.
وأمّا الأدلة الأرضية فهي ستّة : بسط الأرض بالنّسبة للنّاظر ليمكن العيش عليها ، وتثبيتها بالجبال الرّاسيات الشّامخات ، وإجراء الأنهار وتفجير الينابيع ، وجعل الثّمار ذات وجهين اثنين ، أي من صنفين متعارضين كالذّكر والأنثى ، والحلو والحامض ، والحار والبارد ، والأبيض والأسود ، وتغطية الليل النّهار ، وتبديد ظلمة الليل بضوء النّهار ، وتفاوت ما تنتجه الأرض من حبوب وزروع وثمار وأشجار ، مجتمعة ذات جذوع متعددة من منبت واحد ، ومتفرّقة ذات جذع مستقلّ بكلّ واحدة منها.
فكلّ ما ذكر يدلّ دلالة قطعيّة على أنّ الكلّ بتدبير الله الفاعل المؤثر المختار ، لا بالطّبيعة ولا بالصّدفة.
٣ ـ لا يفهم من آية : (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ) ، وآية : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) [النّازعات ٧٩ / ٣٠] أنّ الأرض غير كروية ، فقد ثبتت كرويتها بالأدلّة العلمية العقلية والحسيّة ، ودلّت أقمار الفضاء الدّائرة حول الأرض بما لا يقبل أي شكّ أو جدل على أن الأرض كروية ، وقد صرح بكرويتها علماؤنا كالرّازي (١) ، فإن المقصود أن كل قطعة من الأرض تشاهد كالسّطح ، وأما مجموعها
__________________
(١) تفسير الرّازي : ١٩ / ٢ ـ ٣