بالبعث وإنكارهم له. والعجب : تغير النّفس واندهاشها حين رؤية ما يستبعد في العادة. (أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) هذا استفهام إنكاري ، ينكرون فيه إمكان إعادة الخلق بالبعث ، وفاتهم أن القادر على إنشاء الخلق وما تقدم على غير مثال قادر على إعادتهم.
(الْأَغْلالُ) جمع غل : وهو طوق حديدي تشد به اليدان إلى العنق. (بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ) بالعذاب قبل السّلامة. (الْمَثُلاتُ) جمع مثلة بوزن سمرة : وهي العقوبة ، أي مضت عقوبات أمثالهم من المكذبين ، فما لهم لم يعتبروا بها ، فلا يستهزءوا. وسميت مثلة لما بين العقاب والجريمة من المماثلة ، كما قال تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشّورى ٤٢ / ٤٠] ومنه سمي عقاب القاتل قصاصا ، لما فيه من المماثلة. (مَغْفِرَةٍ) الغفر والمغفرة : السّتر ، بالإمهال وتأخير العقاب إلى الآخرة. (عَلى ظُلْمِهِمْ) أي مع ظلمهم ، وإلا لم يترك على ظهرها دابة. (لَشَدِيدُ الْعِقابِ) لمن عصاه.
(لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ) هلا أنزل على محمد. (آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) آية حسية كقلب عصا موسى حية ، وجعل يده بيضاء مشعة كالشمس ، وناقة صالح. (مُنْذِرٌ) مخوف الكافرين ، وليس عليك إتيان الآيات ، والإنذار : التخويف. (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) الهادي : الذي يرشد النّاس إلى الخير والحق والصواب كالأنبياء والحكماء والعلماء ، أي لكل قوم نبي يدعوهم إلى ربهم بما يعطيه إياهم من الآيات ، لا بما يقترحون ، وهو مدعم عادة بمعجزة من جنس ما هو الغالب عليهم.
المناسبة :
أقام الله تعالى في الآيات السّابقة الأدلة السّماوية والأرضية على قدرته ، ليثبت للناس أن من كانت قدرته وافية بهذه الأشياء العظيمة ، كيف لا تكون وافية بإعادة الإنسان بعد موته ، لأن القادر على الأقوى الأكمل ، فإنه قادر بالأولى على الأقل الأضعف : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) [الأحقاف ٤٦ / ٣٣].
ثم حكى هنا إنكار المشركين للبعث والقيامة ، وأتبعه بحكاية حماقة أخرى وهي استعجالهم العذاب ، وأردفه بطلباتهم إنزال آيات حسية للتعجيز.
التفسير والبيان :
وإن تعجب أيها الرّسول من تكذيب هؤلاء المشركين لك ، وعبادتهم