المتجمع من ذلك المطر زبدا عاليا طافيا فوقه ، وهذا هو المثل الأول للحق والباطل أو الإيمان والكفر.
ثم ذكر تعالى المثل الثاني : (وَمِمَّا يُوقِدُونَ ..) أي ومثل الحق أو الإيمان كالمعدن النافع من ذهب أو فضة أو حديد أو نحاس ونحوها الذي يستخلص من التراب والشوائب ، بواسطة السبك في النار ، ليجعل حلية أو آنية أو سلاحا أو متاعا ينتفع به ، ويعلوه الخبث والشوائب الطافية عند الانصهار ، وهو مثل الباطل.
(كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ) أي المذكور مثل الحق والباطل إذا اجتمعا ، فالحق في استقراره ونفعه كالماء المستقر النافع والمعدن النقي الصافي ، والباطل في زواله وعدم نفعه كالرغوة التي يقذفها السيل على جوانبه ، وخبث المعدن عند انصهاره ، فالباطل لا دوام له أمام الحق.
ثم ذكر الله تعالى اضمحلال الباطل وذهابه بقوله : (فَأَمَّا الزَّبَدُ ..) أي أن الزبد الطافي فوق الماء يتبدد ويزول ويذهب في جانبي السيل ، ويعلق على حافتيه ، فتنسفه الرياح ، وأما النافع من الماء والمعدن فيبقى مستقرا في الأرض ، أما الماء فنشربه ونسقي به الزرع ، وأما المعدن فنستفيد منه إما بالحلي أو بصناعة الأواني والأسلحة والأمتعة ، كما قال تعالى عن الحديد : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) [الحديد ٥٧ / ٢٥].
(كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ) أي أنه تعالى كما بيّن لكم هذه الأمثال ، فكذلك يضربها بيّنات ، لإيضاح الفوارق بين أصول الاعتقاد الجوهرية من الإيمان والكفر ، والحق والباطل.
والخلاصة : إن القرآن الكريم الذي تجسد فيه الحق ونور الإيمان مثله في إحياء القلوب به مثل الماء الذي يحيي الأرض بعد موتها ، ومثل المعدن النقي