الصافي الذي يحقق منافع كثيرة للناس. وأما الكفر وضلالات الشرك وباطل اعتقاد المشركين ، فهو عديم النفع سريع الزوال ، يتبدد فورا ، فهو كرغوة الماء وغثاء السيل الذي يضمحل وتعصف به الرياح ، وخبث المعدن الذي يستبعد ويلقى جانبا.
وما ضرب هذا المثل الرائع إلا لخير الإنسان ، الذي عليه أن يقدر مآل أمره ، وما ينتظره من سعادة وشقاوة في المعاد ، فإذا كان يوم القيامة وعرض الناس وأعمالهم على ربهم ، فيزيغ الباطل ويتلاشى ، وينتفع أهل الحق بالحق.
وقد ضرب الله تعالى في أول سورة البقرة للمنافقين مثلين من النار والماء ، فقال تعالى : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً ، فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ..) [١٧] ثم قال : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) [١٩].
وضرب سبحانه للكافرين في سورة النور مثلين ، فقال تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ) [٣٩] والسراب يكون في شدة الحر ، ثم قال : (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ ..) [٤٠].
وجاء في السنة أمثال مشابهة ، فشبّه النبي صلىاللهعليهوسلم أحوال المنتفعين بسنته بأحوال أراض ثلاث سقط عليها الماء ، ففي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضياللهعنه أن رسول اللهصلىاللهعليهوسلم قال : «إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا ، فكان منها طائفة قبلت الماء ، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكانت منها أجادب أمسكت الماء ، فنفع الله بها الناس ، فشربوا ورعوا وسقوا وزرعوا ، وأصابت طائفة منها أخرى إنما هي قيعان ، لأتمسك ماء ، ولا تنبت كلأ ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه الله بما بعثني ونفع به ، فعلم وعلم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به» وهذا مثل مائي يشبه المثل الذي ضربه الله تعالى للمنافقين.