التّفسير والبيان :
فيما نقصّه عليك ، أو فيما يتلى عليك صفة الجنّة ونعتها الذي يشبه المثل في الغرابة ، تلك الجنّة التي وعدها الله للمتّقين ، ذات أنهار تجري في أرجائها وجوانبها ، وحيث شاء أهلها ، يفجّرونها تفجيرا ، ويوجّهونها حيث أرادوا ، كما قال تعالى : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ، فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ ، وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ ، وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ ، وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى ، وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ ، وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ ، كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ ، وَسُقُوا ماءً حَمِيماً ، فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ) [محمّد ٤٧ / ١٥].
(أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها) أي ما يؤكل فيها من الفواكه والمطاعم والمشارب لا ينقطع ، ولا يفنى ، وكذلك ظلّها دائم لا ينسخ ولا يزول ، فليس فيها شمس ولا حرّ ولا برد : (لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً) [الدّهر ٧٦ / ١٣]. وفي الصّحيحين من حديث ابن عباس في صلاة الكسوف ، وفيه : قالوا : يا رسول الله ، رأيناك تناولت شيئا في مقامك هذا ، ثم رأيناك تكعكعت ، فقال : «إنّي رأيت الجنّة ، فتناولت منها عنقودا ، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدّنيا».
وبعد وصف الجنّة بهذه الصّفات الثلاث ، قال تعالى : (تِلْكَ عُقْبَى ..) أي تلك الجنّة هي عاقبة ومصير أهل التّقوى ، وعاقبة الكافرين النار ، بسبب كفرهم وذنوبهم ، كما قال تعالى : (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ ، أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ) [الحشر ٥٩ / ٢٠].
والمراد أن ثواب المتّقين منافع خالصة عن الشّوائب موصوفة بصفة الدّوام. والآية إطماع للمؤمنين المتّقين ، وإقناط للكافرين.
ثم ذكر الله تعالى انقسام أهل الكتاب فئتين من القرآن ، فقال : (وَالَّذِينَ