الله من ذلك الكتاب ما يشاء أن يوقعه بأهله ويأتي به ، ويثبت ما يشاء ، أي يؤخّره إلى وقته. وعنده أصل الكتاب الذي لا يتغيّر منه شيء ، فنزول العذاب على الكفار ، ونصر المؤمنين لهما وقت معيّن مخصوص.
والمحو يشمل الأقدار ، والدّعاء يفيد في ردّ القدر ، وقد يحرم الإنسان الرّزق بسبب ذنب يرتكبه ، وقد يزداد عمره بصلة الرّحم وبرّ الأقارب. وقد تقدّم في الصّحيحين عن أبي هريرة حديث: «من سرّه أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره ، فليصل رحمه».
وأصول الأشياء لا تتغيّر : وهي الخلق والخلق ، والأجل والرّزق ، والسّعادة والشّقاوة. والذي في علم الله ثابت لا يتبدّل ، مثل قيام السّاعة ، وأجل بقاء النّاس في القبور وكلّ ما كتب من الآجال وغيرها.
سئل ابن عباس عن أمّ الكتاب ، فقال : علم الله ما هو خالق ، وما خلقه عاملون ، فقال لعلمه : كن كتابا ، ولا تبديل في علم الله تعالى.
وقال عكرمة : يمحو ما يشاء بالتّوبة جميع الذّنوب ، ويثبت الذّنوب حسنات ، قال تعال : (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً ، فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ ، وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الفرقان ٢٥ / ٧٠].
والخلاصة : عقيدتنا هي أنه لا تبديل لقضاء الله تعالى ، وهذا المحو والإثبات مما سبق به القضاء. والقضاء منه ما يكون واقعا محتوما ، وهو الثّابت ، ومنه ما يكون مصروفا بأسباب ، وهو الممحو. ويكون المحوّ إما بالدّعاء أو بصلة الرّحم وبرّ الأقارب ، أو بالذّنب المقترف. ويشمل المحو نسخ الشّرائع ، فقد تنسخ شريعة بأخرى ، كالنّسخ بالقرآن لما عداه ، لمصلحة وحكمة تقتضيها ، ونسخ التّوجّه إلى بيت المقدس وتحويل القبلة إلى الكعبة ، ونحو ذلك.
والكلّ بقضاء الله وقدره ، والأمور مرهونة بأوقاتها.