نفوذ المشيئة ، وإخبار بأن الضلال والهداية من الله تعالى ، فهو تعالى يضل من يشاء إضلاله ، ويهدي من يشاء هدايته حسبما يعلم من استعداد العبد واختياره ، وليس على ذلك الرسول غير التبليغ والتبيين ، ولم يكلف أن يهدي ، بل الهدى بيد الله على ما سبق قضاؤه.
وقال الزمخشري على طريقة الاعتزال : والمراد بالإضلال : التخلية ومنع الألطاف ، وبالهداية : التوفيق واللطف ، وكان ذلك كناية عن الكفر والإيمان (١).
ويؤكد الرأي الأول لأهل السنة ما روي : أن أبا بكر وعمر أقبلا في جماعة من الناس ، وقد ارتفعت أصواتهما ، فقال صلىاللهعليهوسلم : «ما هذا؟» فقال بعضهم : يا رسول الله ، يقول أبو بكر : الحسنات من الله ، والسيئات من أنفسنا ، ويقول عمر : كلاهما من الله ، وتبع بعضهم أبا بكر ، وبعضهم عمر ، فتعرف الرسول صلىاللهعليهوسلم ما قاله أبو بكر ، وأعرض عنه حتى عرف ذلك في وجهه ، ثم أقبل على عمر ، فتعرف ما قاله ، وعرف البشر في وجهه. ثم قال : «أقضي بينكما كما قضى به إسرافيل بين جبريل وميكائيل ، قال جبريل مثل مقالتك يا عمر ، وقال ميكائيل مثل مقالتك يا أبا بكر ، فقضاء إسرافيل : أن القدر كله خيره وشره من الله تعالى ، وهذا قضائي بينكما» (٢).
ثم ذكر الرازي تأويلات ثلاثة للآية ، بعد أن قال : لا يمكن حمل الآية على أنه تعالى يخلق الكفر في العبد (٣) :
الأول ـ أن المراد بالإضلال : هو الحكم بكونه كافرا ضالا ، كما يقال : فلان يكفّر فلانا ويضلله ، أي يحكم بكونه كافرا ضالا.
__________________
(١) الكشاف : ٢ / ١٧١
(٢) تفسير الرازي : ١٩ / ٨٠
(٣) المرجع السابق ٨١