(يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) أي يدعوكم إلى الإيمان الكامل به ، من أجل أن يغفر لكم في الدار الآخرة ذنوبكم ـ على أن من صلة زائدة ـ أو بعض ذنوبكم ـ على أن من تبعيضية ـ فهو يغفر الذنوب المتعلقة به ، لا الذنوب التي لها صلة بحقوق العباد. وهذا هو الغرض الأول من الدعوة إلى الإيمان.
ويلاحظ أنه تعالى في كل موضع ذكر فيه مغفرة ذنوب الكفار ، جاء بلفظ (من) وفي كل موضع ذكر فيه مغفرة ذنوب المؤمنين ، جاء بغير لفظ (من). مثال الحالة الأولى : قوله تعالى : (وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ ، يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) [نوح ٧١ / ٣ ـ ٤] وقوله سبحانه : (يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ ، يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) [الأحقاف ٤٦ / ٣١] لأنه يدعوهم إلى الإيمان الذي هو أصل الدين.
ومثال الحالة الثانية : قوله عزوجل : (قُلْ : إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ ، فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ، وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [آل عمران ٣ / ٣١] وقوله عزت أسماؤه : (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ، يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [الصف ٦١ / ١١ ـ ١٢] لأنه بعد توافر الإيمان لا تكون المغفرة إلا إلى المعاصي.
(وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) هذا هو الغرض الثاني من الدعوة إلى الإيمان ، وهو الإمهال والتأخير إلى وقت محدد معين في علم الله تعالى ، وهو منتهى العمر ، إن حدث الإيمان ، وإلا عاجلكم الهلاك والعذاب بسبب الكفر.
فالإيمان يتحقق به رحمتان أو نعمتان وهما مغفرة الذنوب والإمهال إلى نهاية الأعمار.
ثم ذكر الله تعالى ردّ تلك الأمم على رسلها من نواح ثلاث هي :
١ ـ (قالُوا : إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) أي كيف نتبعكم بمجرد قولكم ، ولما نر منكم معجزة ، فما أنتم إلا مثلنا في البشرية ، ولا فضل لكم علينا ، فلم تخصصون بالنبوة دوننا ، ولو شاء الله أن يبعث إلى البشر رسلا ، لبعث من جنس أفضل.