(وَيُسْقى) فيها (مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ) هو ما يسيل من جلود أو جوف أهل النار ، مختلطا بالقيح والدم (يَتَجَرَّعُهُ) سقيته جرعة بعد جرعة ، بالشدة والقهر (يُسِيغُهُ) يستطيبه أو يزدرده ، لقبحه وكراهته (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ) أي تأتيه أسبابه وتحيط به من كل جانب ، وتغشاه أنواع الكروب والعذاب (وَمِنْ وَرائِهِ) بعد ذلك العذاب (عَذابٌ غَلِيظٌ) قوي متصل ، وشديد غير منقطع.
(مَثَلُ) صفة (أَعْمالُهُمْ) الصالحات كصلة الرحم والصدقة على الفقراء في عدم الانتفاع بها (كَرَمادٍ) أثر النار بعد احتراقها (عاصِفٍ) شديد الريح ، أي أعمالهم كالرماد الذي عصفت به الرياح العاتية ، فجعلته هباء منثورا ، لا يقدر عليه (لا يَقْدِرُونَ) أي الكفار (مِمَّا كَسَبُوا) عملوا في الدنيا (عَلى شَيْءٍ) لا يجدون له ثوابا ، لعدم توافر شرطه : وهو الإيمان. (ذلِكَ) إشارة إلى ضلالهم مع حسبانهم أنهم محسنون (هُوَ الضَّلالُ) الهلاك (الْبَعِيدُ) الغاية في البعد عن الحق.
المناسبة :
بعد أن أرشد الله تعالى الأنبياء إلى التوكل عليه والاعتماد على حفظه وصيانته ، في دفع شرور أعدائهم ، ذكر موقف الكفار العصبي المبالغ في السفاهة ، وهو التهديد بأحد أمرين : الإخراج والطرد من البلاد ، أو العودة إلى الملة الوثنية القديمة المتوارثة ، وهذا هو الشأن في كل زمان ، يعتمد فيه أهل الباطل والفسق والظلم على القوة والبطش لقوتهم ، ويستغلون ضعف أهل الحق لقلتهم. ولكن قدرة الله فوق كل شيء ، والله غالب على أمره ، فجعل العاقبة والنصر في النهاية للمتقين وأن الهزيمة للكافرين ، وأعلمهم بالعذاب في الآخرة ، وتلك سنة الله في خلقه مع كل الأمم والرسل.
ثم ضرب الله مثلا لأعمال الكافرين ، بالرماد الذي عصفت به الرياح الهوج ، فجعلته هباء منثورا ، لعدم توافر شرطه وهو الإيمان.
التفسير والبيان :
هذا تطور طبيعي للحوار والصراع بين الرسل والأمم الكافرة ، فبعد أن