(وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ) أي ليس له في النار شراب إلا ما يسيل من جلود أهل النار ولحومهم من ماء مختلط بالقيح والدم ، كما قال تعالى : (هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ ، وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ) [ص ٣٨ / ٥٧ ـ ٥٨] وهذا أي الحميم حار في غاية الحرارة ، وهذا أي الغساق بارد في غاية البرد والنتن.
(يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ) أي يتحساه جرعة بعد جرعة ، ولا يكاد يزدرده ، لكراهته ، وسوء طعمه ولونه وريحه ، مما يدل على التألم حين ابتلاعه ، كما قال تعالى : (وَسُقُوا ماءً حَمِيماً ، فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ) [محمد ٤٧ / ١٥] وقال : (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ ، يَشْوِي الْوُجُوهَ ، بِئْسَ الشَّرابُ ، وَساءَتْ مُرْتَفَقاً) [الكهف ١٨ / ٢٩].
(وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ ..) أي وتأتيه أسباب الموت من الشدائد وألوان العذاب من كل جهة ، ولكنه لا يموت ، كما قال تعالى : (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا ، وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها) [فاطر ٣٥ / ٣٦].
(وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ) أي وله من بعد هذه الحال عذاب آخر غليظ ، أي مؤلم صعب شديد ، أغلظ من الذي قبله وأدهى وأمر ، وهو دائم غير منقطع ، كما قال تعالى عن شجرة الزقوم : (إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ ، طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ ، فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ ، ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ ، ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ) [الصافات ٣٨ / ٦٤ ـ ٦٨] وقال عزوجل : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ ، طَعامُ الْأَثِيمِ ، كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ ، كَغَلْيِ الْحَمِيمِ ، خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ ، ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ ، ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ، إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ) [الدخان ٤٤ / ٤٣ ـ ٥٠] وقال : (وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ ، فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ ، وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ ، لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ) [الواقعة ٥٦ / ٤١ ـ ٤٤]. وقال تعالى : (هذا وَإِنَ