(ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي ..) أي ذلك الموحى به من إهلاك الظالمين وإسكان المؤمنين ديارهم ، أي ذلك الأمر حق ، لمن خاف موقفي للحساب أو مقامه بين يدي ، وخاف وعيدي بالعذاب والعقاب ، فخشي لقائي ، واتقاني بطاعتي ، وتجنب سخطي وغضبي. وهذا هو سبب النصر والوحي المذكور.
(وَاسْتَفْتَحُوا ..) أي واستنصرت الرسل بالله على أممهم أو أقوامهم ، أي على أعدائهم ، كما قال تعالى : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) [الأنفال ٨ / ١٩] والمراد أنهم سألوا من الله الفتح على أعدائهم ، أو القضاء بينهم وبين أعدائهم ، كما قال تعالى : (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ) [الأعراف ٧ / ٨٩] والضمير يعود للرسل أو الأنبياء عليهمالسلام.
وقيل : يعود الضمير على الكفار ، أي واستفتح الكفار على الرسل ، ظنا منهم بأنهم على الحق ، والرسل على الباطل. وقيل : للفريقين ، فإنهم كلهم سألوه أن ينصر المحق ، ويهلك المبطل ، كما قال تعالى في شأن استفتاح الأمم على أنفسها : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ، فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ ، أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [الأنفال ٨ / ٣٢].
ولكن كانت النتيجة أن النصر للمتقين والخيبة والخسارة والهلاك للمشركين ، فقال سبحانه: (وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) أي وخسر وهلك كل متكبر متعاظم عن طاعة الله ، معاند للحق ، منحرف عنه ، كقوله تعالى : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ، مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ ، مُعْتَدٍ مُرِيبٍ ، الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ ، فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ) [ق ٥٠ / ٢٤ ـ ٢٦].
(مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ) أي أمام هذا الجبار العنيد جهنم له بالمرصاد تنتظره ، كما قال تعالى: (وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) [الكهف ١٨ / ٧٩] أي أمامهم.