عندهم ، وأبان هذا بصورة محاورة بين السادة والأتباع ، ومناظرة بين الشيطان وأتباعه الإنس ، ثم ذكر جزاء المؤمنين السعداء وظفرهم بجنان الخلد.
التفسير والبيان :
وبرزت الخلائق كلها برّها وفاجرها لله الواحد القهار في موقف الحساب ، واجتمعوا له في مكان متسع لا ساتر فيه ، خلافا لحال الدنيا حيث يظن الكفار والعصاة أن الله لا يراهم.
فقال الضعفاء ، أي الأتباع للقادة والسادة والكبراء في العقل والتفكير ، أولئك القادة الذين استكبروا عن عبادة الله وحده وعن اتباع الرسل : إنا كنا تابعين لكم ، مقلدين في الأعمال ، نأتمر بأمركم ونفعل فعلكم ، فكفرنا بالله ، وكذبنا الرسل متابعة لكم ، فهل أنتم تدفعون عنا اليوم بعض عذاب الله ، كما كنتم تعدوننا وتمنوننا.
فأجابهم القادة المتبوعون متنصلين من الدفاع عنهم : لو هدانا الله لدينه الحق ، ووفقنا لاتّباعه ، وأرشدنا إلى الخير ، لهديناكم وأرشدناكم إلى سلوك الطريق الأقوم ، ولكنه لم يهدنا ، فحقت كلمة العذاب على الكافرين.
ثم أعلنوا يأسهم من النجاة فقالوا : (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا ..) أي ليس لنا خلاص ولا منجى مما نحن فيه إن صبرنا عليه أو جزعنا منه ، أي أن الجزع والصبر سيّان ، فلا نجاة لنا من عذاب الله تعالى.
قال ابن كثير : والظاهر أن هذه المراجعة (أي الحوار) في النار ، بعد دخولهم فيها (١) ، كما قال تعالى : (وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ ، فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا : إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً ، فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ. قالَ
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ٢ / ٥٢٨