في مرتع الكفر. فاللام في (لِيُضِلُّوا) لام العاقبة ؛ لأن عبادة الأوثان سبب يؤدي إلى الضلال ؛ ولأنهم لم يريدوا ضلال أنفسهم ، أي أن المقصود لا يحصل إلا في آخر المراتب.
ثم قال تعالى مهددا ومتوعدا لهم على لسان نبيه صلىاللهعليهوسلم : (قُلْ : تَمَتَّعُوا ..) أي تمتعوا بما قدرتم عليه من نعيم الدنيا ، فإن جزاءكم ومرجعكم وموئلكم إلى النار ، كما قال تعالى : (نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ، ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ) [لقمان ٣١ / ٢٤] وقال سبحانه : (مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ، ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ، ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) [يونس ١٠ / ٧٠]. وسمي ذلك تمتعا ؛ لأنهم تلذذوا به ، ولأنه بالنسبة إلى عقاب الآخرة تمتع ونعيم.
ونظير الآية في أمر التهديد : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) [فصلت ٤١ / ٤٠] وقوله : (قُلْ: تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً ، إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ) [الزمر ٣٩ / ٨].
وبعد تهديد الكفار على تمتعهم في الدنيا ، أمر الله نبيه بأن يبلّغ الناس ويأمرهم بإقامة الصلاة التي هي عبادة بدنية ، والإنفاق في سبيله وهو عبادة مالية ، فقال : (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا ..) أي يأمر الله تعالى عباده بطاعته والقيام بحقه والإحسان إلى خلقه ، بأن يقيموا الصلاة ، وهي عبادة الله وحده لا شريك له ، وأن ينفقوا مما رزقهم الله ، بأداء الزكوات ، والنفقة على القرابات ، والإحسان إلى الأباعد.
وإقامة الصلاة : أداؤها مستكملة أركانها وشروطها ، مع المحافظة على وقتها ، والخشوع لله في جميع أجزائها.
ويكون الإنفاق مما رزق في السرّ (أي في الخفية) والعلانية وهي الجهر ، قال البيضاوي : والأحب إعلان الواجب (أي في النفقة) وإخفاء المتطوع به (أي المتبرع أو المتصدق به).