وأصبتم ، وستجدون ذلك عندي ، فأنزلهم وأكرمهم ، ثم أضافهم وأجلس كل اثنين منهم على مائدة ، فبقي بنيامين وحده ، فبكى وقال : لو كان أخي يوسف حيا لأجلسني معه ، فقال يوسف : بقي أخوكم وحيدا ، فأجلسه معه على مائدته ، وجعل يواكله ، وقال : أنتم عشرة ، فلينزل كل اثنين منكم بيتا ، وهذا لا ثاني له ، فيكون معي ، فبات يوسف يضمه إليه ، ويشم رائحته ، حتى أصبح وسأله عن ولده ، فقال : لي عشرة بنين ، اشتققت أسماءهم من اسم أخ لي هلك ، فقال له : أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك؟ قال : من يجد أخا مثلك؟! ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل (أمهما) فبكى يوسف وقام إليه وعانقه ، وقال له : إني أنا أخوك يوسف ، فلا تحزن بما كانوا يعملون بنا في الماضي ، فإن الله قد أحسن إلينا ، وجمعنا على خير ، ولا تعلمهم بما أعلمتك (١).
(فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ ..) فلما أعدّ لهم الطعام ، وحمل لهم أبعرتهم طعاما ، أمر بعض فتيانه أن يضع السقاية (الصواع أو المكيال ، وهي إناء من فضة في قول الأكثرين ، وقيل : من ذهب) في رحل أخيه بنيامين ، دون علم أحد.
(ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ) ثم نادى مناد حينما عزموا على الخروج : أيتها العير أي يا أصحاب العير ، إنكم قوم سارقون ، فقفوا. فبهتوا وذهلوا.
فالتفتوا إلى المنادي وقالوا : أي : قال إخوة يوسف للمنادي ومن معه : أيّ شيء تفقدونه؟ فأجابوهم : نفقد صاع الملك الذي يكيل به ، ولمن أتى به حمل بعير من القمح ، وهذا يدل على أن عيرهم الإبل ، وأنا به زعيم أي كفيل ضامن ، وهذا من باب الجعالة والضمان والكفالة.
قال إخوة يوسف بعد اتهامهم بالسرقة : والله لقد خبرتمونا وجربتمونا في المرة الأولى وحين عودتنا إذ رددنا بضاعتنا إليكم ، وتحققتم منذ عرفتمونا ، وشاهدتم
__________________
(١) الكشاف : ٢ / ١٤٧