سيرتنا الحسنة أنا ما جئنا لنفسد في أرض بسرقة ولا غيرها من التعدي على حقوق الناس ، ولم نكن يوما ما سارقين ، فليست سجايانا تقتضي هذه الصفة.
فقال لهم فتيان يوسف : فما جزاء السارق إن كان فيكم ، إن كنتم كاذبين في نفي التهمة عنكم؟ أي أيّ عقاب للسارق في شرعكم إن وجدنا فيكم من أخذه ، وأنتم تدّعون البراءة؟
فأجابوهم : جزاؤه أخذ من وجد في رحله ، ومثل هذا الجزاء نجزي الظالمين للناس بسرقة أموالهم في شريعتنا أن يسترقوا ، وهكذا كانت شريعة إبراهيم ويعقوب عليهماالسلام : أن السارق يدفع إلى المسروق منه ، فيصيرا عبدا له ، وهذا هو ما أراده يوسف عليهالسلام.
ولهذا بدأ بتفتيش أوعيتهم قبل وعاء أخيه للتورية وحتى لا يتهم ، ثم استخرج السقاية من وعاء أخيه بنيامين ، فأخذه منهم بحكم اعترافهم والتزامهم ، وإلزاما لهم بما يعتقدونه ويحكمون به.
قوله : (فَهُوَ جَزاؤُهُ) تقرير للحكم السابق وتأكيد له ، بعد تأكيد ثقتهم وبراءتهم بأنفسهم.
(كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ) أي مثل ذلك الكيد وهو التدبير الخفي ، كدنا ليوسف ، أي دبرنا له في الخفاء وأوحينا إليه أن يفعله. وهذا من الكيد المحبوب المراد الذي يحبه الله ويرضاه ، لما فيه من الحكمة والمصلحة المطلوبة. وهو دليل على جواز التوصل إلى الأغراض المشروعة بما ظاهره الحيلة إذا لم يخالف نصا تشريعيا أو حكما مقررا ، فهي حيلة جائزة مشروعة ، لا ممنوعة محظورة ، لما يترتب عليها من الخير والمصلحة ، دون إلحاق ضرر بأحد ، مع اطمئنان بنيامين إلى البراءة ، بسبب التواطؤ السابق بينه وبين أخيه يوسف.