وإلهاما ووحيا من الله ، وكان إبقاء أخيه لديه عملا بشريعة إبراهيم ويعقوب ، وإلزاما لإخوته بما حكموا به.
٤ ـ لم يكن وصف أولاد يعقوب بأنهم سارقون كذبا من يوسف عليهالسلام ، وإنما المراد أيتها العير حالكم حال السّرّاق ، والمعنى : إن شيئا لغيركم صار عندكم من غير رضا الملك ولا علمه. أو أن ذلك كان حيلة لاجتماع شمله بأخيه ، وفصله عنهم إليه ، أو أنهم سارقون باعتبار ما كان منهم حينما أخذوا يوسف من أبيه ، فألقوه في الجبّ.
٥ ـ دل قوله : (وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ) على جواز الجعالة (١) وضمان الجعل قبل إنجاز العمل أو قبل إتمامه. وقد أجيز للضرورة ، فجاز فيه من الجهالة ما لا يجوز في غيره ، وهو من العقود الجائزة التي يجوز لأحدهما فسخه ، إلا أن المجعول له يجوز أن يفسخه قبل الشروع بالعمل وبعده ، إذا رضي بإسقاط حقه ، وليس للجاعل أن يفسخه إذا شرع المجعول له في العمل. ولا يشترط في عقد الجعالة حضور المتعاقدين ، كسائر العقود ؛ لقوله تعالى : (وَلِمَنْ جاءَ بِهِ ..) وبهذا كله قال الشافعي ، وكذا المالكية والحنابلة ، ولم يجز الحنفية الجعالة للجهالة.
ولم يكن قوله (حِمْلُ بَعِيرٍ) ضمان المجهول ، لأن حمل البعير كان معينا معلوما عندهم كالوسق (٦٠ صاعا) فصح ضمانه ، غير أنه كان بدل مال عن المسروق ، وهو كفالة بما لم يجب ، لأنه لا يحل للسارق أن يأخذ شيئا على رد السرقة ، فلعله كان يصح في شرعهم ، أو كان هذا جعالة.
__________________
(١) الجعالة : التزام بعوض على شيء معلوم أو مجهول ، وهو تصرف بإرادة منفردة ، مثل الإعلان عن مكافأة أو جعل لمن يجد شيئا ضائعا ، أو يكتشف علاجا لمرض معين ، أو لمن يتفوق في قضية علمية أو اكتشاف علمي.