٦ ـ دل قوله : (وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) على جواز الكفالة بنوعيها : الكفالة بالمال والكفالة بالنفس ، وهذا مطابق للحديث النبوي الذي أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه ابن حسان وصححه عن أبي أمامة الباهلي وغيره : «الزعيم غارم» وهو رأي المذاهب الأربعة ، ولم يجز بعضهم الكفالة بالنفس لعجز الكفيل عن إحضار المكفول بنفسه.
وهل يلزم الكفيل بالنفس ضمان المال أو لا؟ قال الحنفية : لا يلزمه إن مات المكفول بنفسه : لأنه إنما تكفل بالنفس ولم يتكفل بالمال ، فمحال أن يلزمه ما لم يتكفل به. وقال المالكية والليث والأوزاعي : يغرم المال ، ويرجع به على المطلوب ؛ لأن الكفيل يعلم أن المضمون بنفسه إنما يطلب بمال ، فإذا ضمن إحضاره ولم يأته به ، فكأنه فوّته عليه ، فلزمه المال.
وإذا انعقدت الكفالة جاز في رأي الجمهور للدائن المكفول له أن يطالب بالمال أو الدين من شاء من المدين الأصيل أو الكفيل. ورأي مالك الأخير : ألا يطالب الكفيل إلا أن يفلس الغريم (المدين) أو يغيب ؛ لأن البدء بمطالبة من عليه الحق أولى ؛ إلا أن يكون معدما ، فيؤخذ الدين من الكفيل ، لأنه معذور في أخذه في هذه الحالة.
والكفالة لا تصح إلا في الحقوق التي تجوز النيابة فيها ، مما يتعلق بالذمة من الأموال ، وكان الدين ثابتا مستقرا ، أي لازما. فلا تصح الكفالة بنجوم (أقساط) الكتابة ؛ لأنها ليست بدين لازم أو ثابت مستقر. وأما الحقوق التي لا يمكن لأحد القيام بها عن أحد كالحدود فلا كفالة فيها عند الأكثرين ؛ لأن درء هذه الحدود مطلوب ما أمكن ، ويسجن المدعى عليه الحد ، حتى ينظر في أمره. وأجاز أبو يوسف ومحمد الكفالة في الحدود والقصاص ، لجواز الكفالة بالنفس. وأجاز الشافعية كفالة تسليم النفس في الحدود الخالصة للآدمي كقصاص وحد قذف وتعزير ؛ لأنها حق لآدمي ، فصحت الكفالة ، كسائر حقوق الآدميين المالية.