أخرج عبد الرزاق عن ابن عباس قال : لما خرجت العير ، هاجت ريح ، فجاءت يعقوب بريح قميص يوسف ، فقال : (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ، لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ) فوجد ريحه من مسيرة ثمانية أيام.
قال الرازي : والتحقيق أن يقال : إنه تعالى أوصل تلك الرائحة إليه على سبيل إظهار المعجزات ، لأن وصول الرائحة من هذه المسافة البعيدة أمر مناقض للعادة ، فيكون معجزة ليعقوب عليهالسلام على الأظهر أو الأقرب (١).
(قالُوا : تَاللهِ ..) قال الحاضرون في مجلس يعقوب له : والله ، إنك لفي خطئك القديم الذي طال أمده بظنك أن يوسف حي يرزق يرجى لقاؤه. قال قتادة : أي من حب يوسف ، لا تنساه ولا تسلاه ، قالوا لوالدهم كلمة غليظة لم يكن ينبغي لهم أن يقولوها لوالدهم ولا لنبي اللهعليهالسلام.
(فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ ..) فحينما وصل البريد ، وهو ابنه يهوذا يحمل قميص يوسف ، مبشرا له ببقائه حيا هو وأخوه بنيامين ، ألقاه على وجه يعقوب ، فانقلب فورا بصيرا كما كان ، من شدة الفرح.
قال السّدّي : إنما جاء به (أي يهوذا بن يعقوب) لأنه هو الذي جاء بالقميص ، وهو ملطّخ بدم كذب ، فأحبّ أن يغسل ذلك بهذا ، فجاء بالقميص ، فألقاه على وجه أبيه ، فرجع بصيرا.
(قالَ : أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ ..) قال يعقوب لأولاده وحفدته ومن حوله : ألم أقل لكم حين طلبت منكم أثناء ذهابكم إلى مصر : ابحثوا عن يوسف ، ولا تيأسوا من روح الله ورحمته : إني أعلم من الله تعالى بوحي منه أشياء لا تعلمونها ، وأعلم أن الله سيردّ يوسف إليّ. وقوله تعالى : (إِنِّي أَعْلَمُ) كلام مستأنف مبتدأ لم يقع
__________________
(١) تفسير الرازي : ١٨ / ٢٠٨