لَدَيْهِمْ ..) إلخ الآية دليل على صدق الإخبار بالمغيب عنك ، والمعنى : هذا النّبأ غيب لم تعرفه إلا بالوحي ، لأنك لم تحضر إخوة يوسف عليهالسلام حين عزموا على ما همّوا به من أن يجعلوه في غيابة الجبّ ، وهم يمكرون به وبأبيه ، ليرسله معهم. ومن المعلوم الذي لا يخفى على مكذبيك أنك ما لقيت أحدا سمع ذلك ، فتعلّمته منه. وإنما حذف هذا الكلام استغناء بذكره في غير هذه القصة مثل : (ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا) [هود ١١ / ٤٩].
(وَما أَكْثَرُ النَّاسِ) أي أهل مكة. (وَلَوْ حَرَصْتَ) على إيمانهم ، وبالغت في إظهار الآيات لهم. (بِمُؤْمِنِينَ) لعنادهم وتصميمهم على الكفر. (وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ) على الإنباء أو القرآن الكريم. (مِنْ أَجْرٍ) من جعل تأخذه كما يفعل حملة الأخبار. (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ) ما هو أي القرآن الكريم إلا عظة للعالمين من الإنس والجنّ. (وَكَأَيِّنْ) وكم من آية ، والمراد بها كثير من الآيات الدّالة على وجود الصانع وحكمته وكمال قدرته وتوحيده ، فالآية هنا : دليل على وجود الصانع ووحدانيته. (يَمُرُّونَ عَلَيْها) يمرّون على الآيات ، أي يشاهدونها. (وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ) لا يتفكّرون فيها ، ولا يعتبرون بها.
(وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ) حيث يقرّون بوجوده وخالقيته ، أي أنه الخالق الرّازق. (إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) به بعبادة الأصنام ، فكانوا يقولون في تلبيتهم : «لبيك لا شريك لك لبيك ، إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك» ، أو يشركون باتّخاذ الأحبار أربابا من دون الله ، ونسبة التّبنّي إليه ، أو القول بالنور والظلمة. قيل : الآية في مشركي مكة ، وقيل : في المنافقين ، وقيل : في أهل الكتاب ، والأولى حملها على العموم.
(غاشِيَةٌ) نقمة تغشاهم أو عقوبة تحيط بهم وتعمّهم أو تشملهم. (بَغْتَةً) فجأة. (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بوقت إتيانها. (هذِهِ سَبِيلِي) طريقي. (أَدْعُوا إِلَى اللهِ) إلى دين الله. (عَلى بَصِيرَةٍ) حجة واضحة ومعرفة تامة. (وَمَنِ اتَّبَعَنِي) ومن آمن بي. (وَسُبْحانَ اللهِ) أنزهه تنزيها عن الشّركاء. (وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) وما أنا من جملة المشركين ، وهو من جملة سبيله أيضا.
المناسبة :
بعد أن ذكر الله تعالى قصة يوسف عليهالسلام ، أراد الحقّ تعالى أن يثبت بها نبوّة النّبي محمدصلىاللهعليهوسلم ، عن طريق أنها إخبار بالغيب ، والغيب لا يعلمه إلا الله تعالى ، ولم يشاهده النّبيصلىاللهعليهوسلم ولا قومه ، مما يدلّ على كون القرآن كلام الله تعالى ، وكون نبوّة الرّسول صلىاللهعليهوسلم حقّا وصدقا.
ثم ندّد الله تعالى بموقف المشركين من الإيمان بالله تعالى ، فذكر أن هناك