معصومون ، فلا يمكن أن يظنّ أحد منهم أنه قد كذبه من جاءه بالوحي عن الله (١).
وعلى قراءة التّشديد وجهان :
الأول ـ أنّ الظنّ بمعنى اليقين ، أي وأيقنوا أن الأمم كذبوهم تكذيبا لا يصدر منهم الإيمان بعد ذلك ، فحينئذ دعوا عليهم ، فهنالك أنزل الله سبحانه عليهم عذاب الاستئصال ، وورود الظنّ بمعنى العلم كثير في القرآن الكريم ، قال تعالى : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) [البقرة ٢ / ٤٦] ، أي يتيقنون ذلك.
والثاني ـ أن يكون الظنّ بمعنى الحسبان ، والتّقدير : حتى إذا استيأس الرّسل من إيمان قومهم ، فظنّ الرّسل أن الذين آمنوا بهم كذبوهم ، وهذا التّأويل منقول عن عائشة رضياللهعنها ، قال الرّازي : وهو أحسن الوجوه المذكورة في الآية (٢).
وقال الزّمخشري في قراءة التّخفيف : (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) أي كذبتهم أنفسهم حين حدثتهم بأنهم ينصرون ، أو وظنّوا أنهم قد كذبهم رجاؤهم كقولهم : رجاء صادق ورجاء كاذب ، والمعنى أن مدّة التّكذيب والعداوة من الكفار ، وانتظار النّصر من الله وتأميله قد تطاولت عليهم ، وتمادت ، حتى استشعروا القنوط ، وتوهّموا أن لا نصر لهم في الدّنيا ، فجاءهم نصرنا فجأة من غير احتساب (٣).
ثم ذكر الله تعالى الهدف العام من قصص القرآن ، فقال : (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ) أي لقد كان في سرد أخبار الأنبياء المرسلين مع قومهم ، وكيف
__________________
(١) البحر المحيط : ٥ / ٣٥٤
(٢) تفسير الرّازي : ١٨ / ٢٢٦ وما بعدها.
(٣) الكشّاف : ٢ / ١٥٧