نجّينا المؤمنين ، وأهلكنا الكافرين عبرة وعظة وذكرى لأولي العقول والأفكار الصّحيحة. والاعتبار والعبرة : الانتقال والعبور من جهة إلى جهة. أما المهملون عقولهم فلا ينظرون في الأحداث ولا يستفيدون من دروس التّاريخ ، فلا يفيدهم النّصح.
ثم ذكر الله تعالى مشتملات القرآن فقال : (ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى) أي ما كان هذا القرآن الشّامل للقصة وغيرها ، أو ما كان هذا القصص والحديث الذي اشتمل عليه القرآن حديثا يختلق ويكذب من دون الله ، لأنه كلام أعجز رواة الأخبار وحملة الحديث ، وإنما هو كلام الله من طريق الوحي والتّنزيل وتصديق ما تقدّمه من الكتب السّماوية كالتّوراة والإنجيل والزّبور ، أي تصديق ما جاء فيها من الصّحيح والحقّ ، ونفي ما وقع فيها من تحريف وتبديل وتغيير ، فهو مصدّق أصولها الصّحيحة ، لا كلّ ما جاء فيها بعد من حكايات وأساطير لا يتقبّلها العقل السّليم ، وهو أيضا مهيمن عليها وحارس لها.
والقرآن أيضا فيه تفصيل كلّ شيء من الحلال والحرام والمحبوب والمكروه ، والأمر والنّهي ، والوعد والوعيد ، وصفات الله الحسنى ، وقصص الأنبياء على النّحو الثابت الواقع الذي لا تحريف فيه ولا تزويق. ونظير الآية قوله تعالى : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام ٦ / ٣٨].
والقرآن أيضا هدى للعالمين ، ويهدي النّاس إلى طريق الاستقامة والسّداد ، فيخرجهم من الظّلمات إلى النّور ، وينقلهم من الغيّ إلى الرّشاد ، ومن الضّلال إلى السّداد ، ويرشدهم إلى الحقّ والخير والصّلاح في الدّنيا والدّين.
وهو كذلك رحمة عامّة من ربّ العالمين للمؤمنين في الدّنيا والآخرة.