ثم أبان الله تعالى عموم بعثة الرسل لكل الأمم فقال : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً ..) أي إن سنته تعالى في خلقه إرسال الرسل إليهم ، وأمرهم بعبادة الله ، ونهيهم عن عبادة الطاغوت : وهو كل ما عبد من دون الله من الأوثان والأصنام والكواكب والشيطان وغيرها ، فلقد أرسل في كل أمة رسولا منذ حدث الشرك في قوم نوح ، وكان نوح عليهالسلام أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض ، إلى أن ختمهم بمحمد صلىاللهعليهوسلم الذي كانت دعوته عامة للإنس والجن في المشارق والمغارب ، وكلهم كان يقول : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء ٢١ / ٢٥] وقوله : (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا ، أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) [الزخرف ٤٣ / ٤٥].
فكيف يسوغ لأحد من المشركين بعد هذا أن يقول : (لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ).
والخلاصة : إن المشيئة الشرعية للكفر منتفية غير مرادة ؛ لأنه تعالى نهى الناس عن الكفر على ألسنة رسله. وأما المشيئة الكونية وهي تمكين بعض الناس من الكفر وتقديره لهم على وفق اختيارهم ، فلا حجة لهم فيها ؛ لأنه تعالى خلق النار وأهلها من الشياطين والكفرة ، وهو لا يرضى لعباده الكفر ، وله في ذلك حكمة بالغة (١).
ثم إنه تعالى أنكر على الكفرة المكذبين بإنزال العقوبة عليهم في الدنيا بعد إنذار الرسل فقال: (فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ ..) أي فبعض الناس هداهم الله ووفقهم لتصديق الرسل ، ففازوا ونجوا ، ومنهم من كفر بالله وكذبوا رسله ، فعاقبهم الله تعالى.
(فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ ..) أي اسألوا عما كان من أمر من خالف الرسل ،
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ٢ / ٥٦٩