حين كذبوا الرسل ، وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق ، فهؤلاء سلكوا سبيل أسلافهم في تكذيب الرسل واتباع الضلال.
(فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) أي فهم مخطئون فيما يقولون ، وليس الأمر كما يزعمون أنه تعالى لم ينكره عليهم ، بل قد أنكره عليهم أشد الإنكار ، ونهاهم عنه أشد النهي ، وأرسل في كل أمة أو قرن أو طائفة من الناس رسولا يدعوهم إلى عبادة الله ، وينهاهم عن عبادة ما سواه : (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل ١٦ / ٣٦].
فمنهم من هداه الله ووفقه فآمن وامتثل ، ومنهم من أعرض وتنكر ، فحقت عليه الضلالة وكلمة العذاب لإصراره على الكفر والعصيان.
وما على الرسل الذين أمروا بتبليغ رسالات ربهم إلا إبلاغ الرسالة والوحي وإيضاح طريق الحق ، ومنه أن مشيئته تعالى تتوجه بالهداية لمن تعلق بها ، كما قال : (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها ، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) [الشمس ٩١ / ٨ ـ ١٠] وقال : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) [العنكبوت ٢٩ / ٦٩].
وليس من وظيفة هؤلاء الرسل إلجاء الناس إلى الإيمان ، فذلك ليس من شأنهم ، ولا هو من الحكمة.
أي إن الثواب والعقاب مرتبطان بأمرين : مشيئة الله تعالى ، واتجاه العبد إلى تحصيل الأسباب المؤدية إلى النجاة أو الهلاك. وهداية الله نوعان : هداية إرشاد ودلالة ، وهذا ما يقوم به الرسل والكتب المنزلة عليهم ، وهداية توفيق وعون ، وهذا متعلق بسلوك العبد أصل طريق الهداية والإيمان ، فمن آمن زاده الله توفيقا إلى الخير ، ومن ضل وكفر وأعرض أضله الله وأبعده عن جادة الحق والخير. ثم إن أمر الله جميع الناس بالإيمان غير إرادته ومشيئته.