ثبت في الصحيحين : «لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله ، إنهم يجعلون له ولدا ، وهو يرزقهم ويعافيهم» وثبت فيهما أيضا : «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ، ثم قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ ، إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [ود ١١ / ١٠٢]».
ونظير الآية : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها ، وَهِيَ ظالِمَةٌ ، ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ) [الحج ٢٢ / ٤٨].
والتّخويف والإنذار يناسبه التّذكير بالقدرة الإلهية الهائلة ، والعظمة والجلال والكبرياء الذي خضع له كلّ شيء ، فقال تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ ..) أي ألم ينظر هؤلاء الذين مكروا السيئات إلى ما خلق الله من المخلوقات ذات الظلال كالجبال والأشجار والمباني والأجسام القائمة ، تتميل ظلاله من جانب إلى جانب ، ذات اليمين وهو المشرق ، وذات الشمال وهو المغرب ، وذلك بكرة وعشيّا أي في الغداة أول النهار ، وفي المساء آخر النّهار ، قال الأزهري : تفيؤ الظلال : رجوعها بعد انتصاف النهار ، فالتفيؤ لا يكون إلا بالعشي بعد ما انصرفت عنه الشمس ، والظّل : ما يكون بالغداة : وهو ما لم تنله الشمس. والخطاب في قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا) لجميع الناس.
وقوله تعالى : (مِنْ شَيْءٍ) أراد : من شيء له ظلّ من جبل وشجر وبناء وجسم قائم ، بدليل (يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ) وهو الشيء الكثيف الذي يقع له ظلّ على الأرض.
وقوله تعالى : (ظِلالُهُ) أضاف الظلال إلى مفرد ، ومعناه : الإضافة إلى ذوي الضلال ، وإنما حسن هذا ؛ لأن الذي عاد إليه الضمير ، وإن كان واحدا في اللفظ وهو قوله تعالى : (إِلى ما خَلَقَ اللهُ) إلا أنه كثير في المعنى. ونظيره قوله تعالى : (لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ) [الزخرف ٤٣ / ١٣] ، فأضاف الظهور ـ وهو