التفسير والبيان :
بعد أن نهى الله تعالى عن الإشراك ، أبان بالأمثال الواقعية فساد عبادة الأصنام ، فذكر مثلين :
أولهما ـ (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً ..) هذا مثل ضربه الله لحالة الأصنام بالمقارنة مع ذاته تعالى ، فما مثلكم أيها المشركون في إشراككم بالله الأوثان والأصنام المعبودة التي لا تنفع ولا تضر ، إلا كمثل من سوّى بين عبد مملوك لمالكه ، عاجز عن التصرف ، لا يقدر على شيء ، وبين مالك حر التصرف في ملكه ، ينفق منه كيف يشاء ، ويتصرف فيه كيف يريد ، سرا وجهرا ، فالأول ـ مثل الصنم العاجز ، والثاني ـ مثل الإله القادر. وبما أنه لا يعقل بداهة التسوية بين الشخصين : العبد والحر ، ولا يجهل الفرق بينهما إلا كل غبي ، فكيف يسوى بين الإله القادر على الرزق والإنفاق ، وبين هذه الأصنام التي لا تملك ولا تقدر على شيء أصلا؟ وكيف يسوى بين الضار والنافع؟
لذا قال تعالى نتيجة لهذه المقارنة : (الْحَمْدُ لِلَّهِ ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أي الحمد التام الكامل لله ، والثناء الشامل لله ، والشكر الجزيل لله المنعم بمختلف النعم ، فهو وحده المستحق للحمد ، لا تلك الأوثان ، بل أكثر أولئك الكفار التي يعبدونها لا يعلمون الحق فيتبعوه ، ولا يعرفون المنعم الحقيقي بالنعم الجليلة فيخصوه بالتقديس والتنزيه ، والعبادة ، والحمد والشكر.
وثانيهما ـ هو أيضا مثل الحق تعالى ، ومثل الوثن. وهذا المثل يؤكد ما دل عليه المثل السابق على نحو أوضح ، فقال تعالى : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً : رَجُلَيْنِ ..).
أي وضرب الله مثلا لنفسه وللوثن أو الآلهة المعبودة من دونه ، مثل رجلين : أحدهما ـ أبكم لا ينطق ولا يتكلم بخير ولا بشيء ولا يقدر على شيء