كذبتم ، ما نحن أمرناكم بعبادتنا ، كقوله تعالى : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ، وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ. وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً ، وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ) [الأحقاف ٤٦ / ٥ ـ ٦] وقوله : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا ، كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ ، وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) [مريم ١٩ / ٨١ ـ ٨٢].
(وَأَلْقَوْا إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ) أي استسلم العابد والمعبود ، وأقروا لله بالربوبية وبالبراءة عن الشركاء والأنداد ، وذلوا واستسلموا لله جميعهم ، فلا أحد إلا سامع مطيع ، كما قال تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ، رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا) [السجدة ٣٢ / ١٢]. وقال : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا) [مريم ١٩ / ٣٨] أي ما أسمعهم وما أبصرهم يومئذ. وقال : (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) [طه ٢٠ / ١١١] أي خضعت وذلت واستسلمت.
(وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) أي وذهب عنهم افتراؤهم بنسبة الشركاء لله ، وأنها نصراء وشفعاء لهم ، كما حكى تعالى عنهم : (وَيَقُولُونَ : هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس ١٠ / ١٨] وذلك حين كذبوهم وتبرؤوا منهم.
وبعد ذكر وعيد الذين كفروا الضالين ، أتبعه بوعيد من ضم إلى كفره صد غيره عن سبيل الله ، من الضالين المضلين ، فقال : (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا ..) أي الذين جحدوا النبوة وأشركوا بالله وكفروا بأنفسهم وحملوا غيرهم على الكفر ، وصدوا عن سبيل الله ، وهو الإيمان بالله ورسوله ، يضاعف الله عقابهم ، كما ضاعفوا كفرهم ، فهم في الحقيقة ازدادوا كفرا على كفر ، فاستحقوا عذابين : عذاب الكفر ، وعذاب الإضلال والإفساد ، والصد عن سبيل الله ، واتباع طريق الحق والإسلام ، كقوله تعالى : (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ) [الأنعام ٦ / ٢٦] أي ينهون الناس عن اتباع محمد ، ويبتعدون هم منه أيضا.