(وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) أي ولا يطلب منهم العتاب ؛ إذ لا فائدة في العتاب مع سخط الله وغضبه ، فإن الرجل يطلب العتاب من خصمه إذا كان جازما أنه إذا عاتبه ، رجع إلى صالح العمل ، والآخرة دار جزاء لا دار تكليف وعمل ، ولا أمل في الرجوع إلى الدنيا.
(وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ..) أي وإذا عاين الذين أشركوا وجحدوا نبوة الأنبياء العذاب ، فلا ينجو منهم أحد ، ولا يخفف عنهم من شدته ساعة واحدة ، ولا يمهل عقابهم ولا يؤخر عنهم ، بل يؤخذون بسرعة من الموقف بلا حساب ؛ لأنه فات وقت التوبة والإنابة ، وحان وقت الجزاء على الأعمال.
ونظير الآية قوله تعالى : (إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ ، سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً ، وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ ، دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً)(١)(، لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً ، وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً) [الفرقان ٢٥ / ١٢ ـ ١٤] وقوله سبحانه : (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها ، وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً) [الكهف ١٨ / ٥٣].
ثم أخبر تعالى عن تبري آلهة المشركين منهم في وقت أحوج ما يكونون إليها ، وهذا من بقية وعيد المشركين ، فقال : (وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ ..).
أي إذا شاهد المشركون بالله يوم القيامة شركاءهم الأصنام التي كانوا يعبدونها من دون الله في الدنيا ، ألقوا تبعة شركهم عليها ، وقالوا : هؤلاء شركاؤنا الذين كنا نعبدهم وندعوهم من دونك ، قاصدين بذلك إحالة الذنب والإثم على هؤلاء الشركاء ، وهو شأن المتخبط في عمله ، كالغريق الذي يتمسك بما تقع يده عليه.
فرد الشركاء قائلين : (فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ ..) أي قالت لهم الآلهة :
__________________
(١) الثبور : الهلاك.