بِكُمْ) [النحل ١٦ / ١٥] فدلت الآيات على خلق الله الأرض وبسطها وتوسيعها وجعل الجبال الراسيات والأودية والرمال فيها.
(وَأَنْبَتْنا فِيها ..) أي وأنبتنا في الأرض من الزرع والثمار المتناسبة ، المقدرة بميزان معلوم ، وحكمة ومصلحة ، ومقدار معين ، فكل نبات وزنت عناصره ، وقدرت بما يحتاجه. فقوله تعالى: (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) أي مقدر بقدر معلوم ، موزون بميزان الحكمة أي على وفق الحكمة والمصلحة ، كما قال سبحانه : (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) [الرعد ١٣ / ٨].
(وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ ..) أي وأعددنا لكم في الأرض أسباب المعيشة والحياة الملائمة من غذاء ودواء ، ولباس وماء ، ونحوها. (وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ) أي وجعلنا لكم فيها أيضا الخدم والمماليك والدواب والأنعام التي لستم أنتم لها رازقون ، وهذا يعني أن الله يرزقكم وإياهم.
والمقصود من الآيات أنه تعالى يمتن على الناس بما يسّر لهم في الأرض من أسباب المكاسب والمعيشة ، وبما سخر لهم من الدواب التي يركبونها ، والأنعام التي يأكلونها ، والخدم الذين يستخدمونهم ، وقد تكفل الله الخالق برزقهم ، فرزقهم على خالقهم ، لا عليهم ، فلهم المنفعة ، وعلى الله التسخير والرزق.
ثم أخبر الله تعالى أنه مالك كل شيء ، وأن كل شيء سهل يسير عليه ، وأن عنده خزائن الأشياء من جميع الأصناف ، من نبات ومعادن ومخلوقات لا حصر لها ، فقال : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ ..) أي وما من شيء في هذا الكون ينتفع به الناس إلا ونحن قادرون على إيجاده وتكوينه والإنعام به ، وما نعطيه إلا بمقدار معلوم ، نعلم أنه مصلحة له ، فذكر الخزائن أراد به التمثيل لا الحقيقة وهو اقتداره على كل مقدور.
ثم أوضح تعالى أسباب حصول النعم ، فقال : (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ ..)