وطريقته ، أوحينا إليك أيها الرسول أن اتبع ملة إبراهيم الحنيف المائل عن كل الأديان والشرك والباطل إلى دين التوحيد ، وما كان مشركا ، وذكر ذلك لزيادة التأكيد ، وهو يدل على أن اتباع ملة إبراهيم إنما هو في الأصول أي الدعوة إلى التوحيد وفضائل الأخلاق والأعمال. أما الفروع فقد تختلف ؛ لقوله تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) [المائدة ٥ / ٤٨] وذلك حسب تطور الأزمنة واكتمال العقل والنضج الإنساني ، ومراعاة أحوال الأمم والشعوب. وذكر (ثُمَ) في قوله : (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) يدل على تعظيم منزلة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والدلالة على أن أشرف كرامة وأجل نعمة لإبراهيم الخليل اتباع الرسول صلىاللهعليهوسلم ملته.
ومتابعة إبراهيم تقتضي كونه اختار يوم الجمعة للعبادة ، كما اختاره النبي محمدصلىاللهعليهوسلم ؛ لأنه اليوم السادس الذي أكمل الله فيه الخليقة وتمت النعمة فيه على عباده ، أما تعظيم السبت عند اليهود فأجاب تعالى عنه بقوله : (إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ) وقد اختاروه لأنه اليوم الذي لم يخلق فيه الرب شيئا من المخلوقات التي كمل خلقها يوم الجمعة ، فألزمهم تعالى به في شريعة التوراة.
أي إنما جعل تعظيم السبت مفروضا على اليهود الذين اختلفوا على نبيهم موسى في شأن تعظيمه ، حيث أمرهم بالجمعة فاختاروا السبت ، فكان اختلافهم في السبت اختلافا على نبيهم في ذلك اليوم ، أي لأجله ، وليس اختلافهم فيه في أن منهم من قال بالسبت ، ومنهم من لم يقل به ؛ لأن اليهود اتفقوا على ذلك ، كما صحح الرازي (١).
وقال الزمخشري : المعنى إنما جعل وبال السبت وهو المسخ على اليهود المختلفين فيه ، وهو أنهم أحلوا الصيد فيه تارة ، وحرّموه تارة ، وكان الواجب عليهم أن يتفقوا في تحريمه على كلمة واحدة ، بعد أن حتم الله عليهم الصبر عن
__________________
(١) تفسير الرازي : ٢٠ / ١٣٧