ونظير الآية قوله تعالى : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ ، وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ) [الرحمن ٥٥ / ١٤ ـ ١٥].
وفي هذا إشارة إلى برودة طبع الإنسان ، وحرارة طبيعة الجن. وفي الآية تنبيه على شرف آدمعليهالسلام ، وطيب عنصره ، وطهارة محتده ، وذلك كله دليل على قدرة الله تعالى.
ثم أبان الله تعالى تشريفه لآدم عليهالسلام بأمر الملائكة بالسجود له ، وتخلف إبليس عدوه عن السجود له من بين سائر الملائكة ، حسدا وكفرا ، وعنادا واستكبارا ، وافتخارا بالباطل ، فقال : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ ..).
أي واذكر أيها الرسول لقومك حين أمرت الملائكة قبل خلق أبيكم آدم بالسجود له بعد اكتمال خلقه ، وإباء إبليس عدوه من بين سائر الملائكة السجود له ، قائلا : (لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) [الحجر ١٥ / ٣٣] متذرعا بقوله : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ، خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ ، وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) [ص ٣٨ / ٧٦] وقوله : (أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ) [الإسراء ١٧ / ٦٢].
وقد تضمن دفاع إبليس وسبب امتناعه عن السجود لآدم : بأنه خير منه ، فإنه خلق من النار ، وآدم من الطين ، وفي النار عنصر الارتفاع والسمو ، وفي التراب عنصر الخمود والركود ، فهي أشرف من الطين ، والأعلى لا يعظم الأدنى.
وذلك قياس فاسد ؛ لأن خيرية المادة لا تعني خيرية العنصر ، بدليل أن الملائكة من نور ، والنور خير من النار. ثم إنه عصيان أمر الخالق ، وجهل بأن آدم امتاز باستعداد علمي وعملي لتلقي التكاليف وتقدم الكون.
لذا عاقبة الله بقوله : (قالَ : فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ...) أي فاخرج