من المنزلة التي كنت فيها من الملأ الأعلى ، فإنك مرجوم ، أي لعين مطرود ، لعنة دائمة ملازمة له إلى يوم القيامة.
وإمعانا في الكيد لآدم وحسدا له ولذريته طلب الإمهال إلى يوم البعث من القبور ، وحشر الخلق لموقف الحساب ، فأرجأه الله إلى يوم الوقت المعلوم ، وهو وقت النفخة الأولى حين تموت الخلائق.
فلما تحقق إبليس الانتظار لذلك اليوم (قالَ : رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي) أي قال إبليس عاتيا متمردا : رب بسبب إغوائك وإضلالك إياي ، لأزينن في الأرض أي الدنيا لذرية آدم عليهالسلام الأهواء ، وأحبّب إليهم المعاصي ، وأرغّبهم فيها ، إلا المخلصين الذين أخلصوا لك في الطاعة والعبادة. واستثنى المخلصين ؛ لأنه علم أن كيده لا يعمل فيهم ، ولا يقبلون منه.
فهدده تعالى وتوعده بقوله : (قالَ : هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ) أي هذا الطريق في العبودية أو الإخلاص طريق مستقيم ، مرجعه إلي ، فأجازي كل واحد بعمله ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، كقوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) [الفجر ٨٩ / ١٤]. فقوله : (هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ) أي هذا الإخلاص طريق علي وإلي ، يؤدي إلى كرامتي وثوابي ، أو هذا الطريق في العبودية طريق علي مستقيم ، أو هذا طريق عليّ تقريره وتأكيده ، وهو مستقيم : حق وصدق. ومؤدى الكلام : ألا مهرب لأحد مني ، كما يقال لمن يتوعده ويتهدده : طريقك علي. وقوله : مستقيم أي لا عوج فيه ولا انحراف. وهو رد لما جاء في كلام إبليس : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ، ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ، وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ ، وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) [الأعراف ٧ / ١٦ ـ ١٧].
(إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ ..) أي إن عبادي المؤمنين