فأجابوه : (قالُوا : إِنَّا أُرْسِلْنا ..) أي قالوا له : إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين مشركين هم قوم لوط ، الذين يتعاطون المنكر ، ويأتون الرجال شهوة من دون النساء ، لنهلكهم.
ثم أخبروه أنهم سينجّون آل لوط جميعهم من بينهم إلا امرأته التي كانت متواطئة مع قومها ، فإنها من الغابرين ، أي الباقين مع الكفرة الهالكين ، فإنا مخلصوهم أجمعين من ذلك العذاب : عذاب الاستئصال ، إلا امرأة لوط ، قضى الله عليها أن تكون مع المهلكين ، لإعانتهم على مقاصدهم الخبيثة.
وقد أضاف الملائكة التقدير في قولهم : (قَدَّرْنا) إلى أنفسهم ، مع أنه لله تعالى ، لما لهم من القرب والاختصاص بالله تعالى ، كما يقول خاصة الملك : دبّرنا كذا وأمرنا بكذا ، والآمر هو الملك ، وليس هم.
ثم بدأت قصة الدمار والعذاب ومجيئهم إلى لوط عليهالسلام (فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ ..) أي لما انتهت مهمة الملائكة مع إبراهيم فبشروه بالولد ، وأخبروه بأنهم مرسلون لعذاب قوم مجرمين ، ذهبوا بعدئذ إلى لوط وآله في صورة شباب حسان الوجوه ، في بلدهم (سدوم) ولم يعرف لوط وقومه أنهم ملائكة الله ، كما لم يعرفهم إبراهيم بادئ ذي بدء ، فقال لهم لوط : (إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) أي إنكم قوم غير معروفين لدي ، تنكركم نفسي ، وأخاف أن تباغتوني بشر ، فمن أي الأقوام أنتم؟! كما جاء في آية أخرى : (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً ، سِيءَ بِهِمْ ، وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً) [هود ١١ / ٧٧]. وقيل : أنكر حالتهم ، وخاف عليهم من إساءة قومه ، لما رآهم شبانا مردا حسان الوجوه.
فأجابوه (بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ) أي قالت الملائكة له : جئناك بما يسرّك ، وهو عذابهم وهلاكهم ودمارهم الذي كانوا يشكون في وقوعه بهم ، ويكذبونك فيه قبل مجيئه.