ثم أكدوا ما ذكروه بقولهم : (وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِ) أي بالأمر المحقق واليقين والأمر الثابت الذي لا شك فيه ، وهو عذاب قوم لوط ، وهذا مثل قوله تعالى : (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِ) [الحجر ١٥ / ٨].
(وَإِنَّا لَصادِقُونَ) وهذا تأكيد آخر ، أي وإنا لصادقون فيما أخبرناك به ، من هلاكهم ونجاتك مع أتباعك المؤمنين.
وإنما وصفوا مهمتهم بهذا الوصف ، ولم يصرحوا بعذابهم ، لإفادة تحقق عذابهم ، وإثبات صدقه عليهالسلام فيما دعاهم إليه.
ثم جاءت مرحلة التنفيذ وبيان خطة النجاة للوط وأتباعه ، فقالوا له : (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) أي فسر بأهلك بعد مضي جزء من الليل ، وأهله : ابنتاه فقط (وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ) أي وامش وراء أهلك ليكون أحفظ لهم.
(وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) أي إذا سمعتم الصيحة بالقوم ، فلا تلتفتوا إليهم ، وذروهم فيما أصابهم من العذاب والنكال ، حتى لا يرق قلبه لهم.
وأكدوا النهي بقوله : (وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ) أي سيروا بأمر ربكم غير ملتفتين إلى ما وراءكم ، إلى الشام ، كما قال ابن عباس ، أو حيث يوجهكم جبريل الذي أمرهم أن يمضوا إلى قرية معينة ، لم يعمل أهلها مثل عمل قوم لوط.
وأوحى الله إليه أن التنفيذ سريع الحصول فقال : (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ) أي وأوحينا إليه أو تقدمنا إليه أن أمر هلاكهم مقضي قضاء مبرما ، وأن آخر هؤلاء وأولهم مستأصل وقت الصباح ، كقوله في الآية الأخرى : (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ، أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) [هود ١١ / ٨١]. فقوله : (دابِرَ هؤُلاءِ) يعني آخرهم ، أي يستأصلون عن آخرهم ، حتى لا يبقى منهم أحد.
ثم ذكر الله تعالى في ثنايا القصة ما عزم عليه قوم لوط من الإساءة لهؤلاء