ذكر الشيء لا ينفي ذكر ما عداه إذا اشتركا في تلك الصفة (١).
ثم رتب تعالى على هذا العطاء العظيم قوله : (لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ ..) أي لا تطمح أيها الرسول ـ والخطاب لأمته ـ إلى ما متعنا به الأغنياء من زينة الحياة الدنيا ، فمن وراء ذلك عقاب شديد ، واستغن بما آتاك الله من القرآن العظيم عما هم فيه من المتاع والزهرة الفانية. والمقصود : فاخر بما أوحي إليك ، وقدّر عظمة نعمته عليك ، ولا تنظر إلى الدنيا وزينتها ، وما متعنا به أهلها من الزهرة الفانية ، لنفتنهم فيه ، فلا تغبطهم بما هم فيه ، ولا تتحسر عليهم في تكذيبهم لك ، ومخالفتهم دينك ، وإذا كنت في نعمة عظمي ، هانت أمامها بقية النعم وكانت حقيرة. وهذا دليل على أن القرآن ثروة كبري وخير وفلاح. ونظير الآية : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) [طه ٢٠ / ١٣١].
قال أبو بكر رضياللهعنه : من أوتي القرآن ، فرأى أن أحدا أوتي من الدنيا أفضل مما أوتي ، فقد صغّر عظيما ، وعظّم صغيرا.
(وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) أي ولا تتأسف على المشركين إذا لم يؤمنوا ، ليتقوى بهم الإسلام ، ويعتز بهم المسلمون. وقيل : المعنى : لا تحزن على ما متعوا به في الدنيا ، فلك في الآخرة أفضل منه.
وبعد النهي عن الالتفات لأغنياء الكفار أمره بالتواضع لفقراء المسلمين فقال : (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) أي ألن جانبك وتواضع للمؤمنين ، ولا تجافهم ولا تقس عليهم ، كما قال تعالى : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ ، وَلَوْ كُنْتَ
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ٢ / ٥٥٧