فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ، فَاعْفُ عَنْهُمْ ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ، وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ..) [آل عمران ٣ / ١٥٩].
ثم وجهه تعالى لوظيفته ، وهي الإنذار فقال : (وَقُلْ : إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ ..) أي وقل يا محمد للناس : إني منذر ومخوف من عذاب أليم ، بسبب التكذيب والتمادي في الغي ، كما حل بالأمم المتقدمة المكذبة لرسلها ، وما أحاط بهم من انتقام وعذاب.
جاء في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضياللهعنه عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به ، كمثل رجل أتى قومه ، فقال : يا قوم ، إني رأيت الجيش بعيني ، وإني أنا النذير العريان ، فالنّجاء النجاء ، فأطاعه طائفة من قومه ، فأدلجوا وانطلقوا على مهلهم ، فنجوا ، وكذّبه طائفة منهم ، فأصبحوا مكانهم ، فصبّحهم الجيش ، فأهلكهم واجتاحهم ، فذلك مثل من أطاعني واتّبع ما جئت به ، ومثل من عصاني وكذّب ما جئت به من الحق».
(كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ. الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) هناك رأيان في تعلق قوله : (كَما أَنْزَلْنا)(١).
أحدهما ـ أن يتعلق بقوله (وَلَقَدْ آتَيْناكَ) أي أنزلنا عليك مثل ما أنزلنا التوراة والإنجيل على أهل الكتاب (اليهود والنصارى) من قبلك ، وهم المقتسمون الذين اقتسموا القرآن إلى أجزاء ، فآمنوا ببعضه الموافق للتوراة والإنجيل ، وكفروا ببعضه المخالف لهما ، فاقتسموه إلى حق وباطل. وهذا مروي عند البخاري وسعيد بن منصور والحاكم وابن مردويه عن ابن عباس.
والثاني ـ أن يتعلق بقوله : (وَقُلْ : إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ) أي وأنذر
__________________
(١) الكشاف : ٢ / ١٩٥