العظيم من أخلاط شتى من الشريف والدني ، والمطيع والعاصي ، والقوي والضعيف.
وبعد أن ردّ الله تعالى على الكفار بأنه لا حاجة للمعجزات ؛ لأن قوم موسى آتاهم الله تسع آيات بينات ، فلما جحدوا بها أهلكهم الله ، ولأنه لو جاءهم بتلك المعجزات التي اقترحوها ثم كفروا بها ، لأنزل بهم عذاب الاستئصال ، فاقتضت الحكمة عدم تلبية مطالبهم لعلمه تعالى أن منهم من يؤمن ، ومنهم من لا يؤمن ... بعد هذا عاد الله تعالى إلى تذكيرهم بالمعجزة الخالدة وهي القرآن ، وإلى تعظيم شأنه ، والاكتفاء به ، فقال :
(وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ...) أي إننا أنزلنا القرآن متضمنا للحق من تبيان براهين الوحدانية والوجود ، وحاجة الناس إلى الرسل ، والأمر بالعدل ومكارم الأخلاق ، والنهي عن الظلم وقبائح الأفعال والأقوال ، والأحكام التشريعية والأوامر والنواهي المنظمة لحياة الفرد والجماعة والدولة وغير ذلك من أصول التشريع الرفيع.
ونزل إليك يا محمد هذا القرآن محفوظا محروسا ، لم يختلط بغيره ، ولم يطرأ عليه زيادة فيه ولا نقص منه ، بل وصل إليك مع الحق وهو جبريل عليهالسلام ، الشديد القوي ، الأمين المكين المطاع في الملأ الأعلى.
وبعد بيان خواص القرآن أبان تعالى مهام النبي عليه الصلاة والسلام ، فقال : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً) أي وما أرسلناك يا محمد إلا مبشرا لمن أطاعك من المؤمنين بالجنة ، ونذيرا لمن عصاك من الكافرين بالنار.
ثم عاد إلى بيان كيفية نزول القرآن منجما ، أي مقسطا بحسب الوقائع والمناسبات ، فقال تعالى :