(وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ ، وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) أي وأنزلنا قرآنا مفرقا منجما في مدى ثلاث وعشرين سنة ، فلم ينزل في يومين أو ثلاثة ، وإنما أنزلناه بحسب الوقائع والحوادث وعلى ما تقتضيه الحكمة والمصلحة العامة النافعة في الدنيا والآخرة على وفق المناسبات ، وقد ابتدأ نزوله في ليلة مباركة هي ليلة القدر في رمضان ، وقرئ (فَرَقْناهُ) بالتشديد ، أي أنزلناه آية آية مبينا مفسرا.
وذلك لتبلغه للناس وتتلوه عليهم على مهل ، ونزلناه تنزيلا أي شيئا بعد شيء ، على الحد المذكور والصفة المذكورة. وفائدة قوله : (وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) بعد قوله (فَرَقْناهُ) بيان كون التنزيل على حسب الحوادث.
ثم هددهم الله محتقرا لهم غير مبال بشأنهم بقوله : (قُلْ : آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا) أي قل يا محمد لهؤلاء الكافرين الذين لم يقتنعوا بكون القرآن معجزة كافية ، وقالوا لك : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) [الإسراء ١٧ / ٩٠] آمنوا بهذا القرآن أو لا تؤمنوا به ، فهو حق في نفسه أنزله الله ، وكتاب خالد إلى أبد الدهر.
(إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ ...) أي إن علماء أهل الكتاب الصالحين الذين تمسكوا بكتابهم ولم يبدلوه ولم يحرفوه ، إذا يتلى عليهم هذا القرآن يسجدون على وجوههم تعظيما لله عزوجل ، وشكرا على ما أنعم به عليهم ، وعبر عن السجود بقوله (لِلْأَذْقانِ) لأن الإنسان كلما ابتدأ بالخرور والإقبال على السجود فأقرب الأشياء من الجبهة إلى الأرض : الذقن ، أو هو كناية عن المبالغة في الخضوع والخشوع والخوف من الله تعالى.
ويقولون في سجودهم : (سُبْحانَ رَبِّنا ...) أي تنزيها لله تعالى وتعظيما وتوقيرا على قدرته التامة ، وأنه لا يخلف الميعاد ، لذا قال : (إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا