وذلك أن موسى كان قد أمر بحمل حوت مملّح معه ، وذكر له أن عبدا من عباد الله بمجمع البحرين عنده من العلم ما لم يحط به موسى ، فأحب الرحيل إليه ، وقيل له : متى فقدت الحوت فهو ثمة ، وسار هو وفتاه ، حتى بلغا مجمع البحرين ، وكان الحوت في مكتل (قفة) مع يوشع عليهالسلام ، فسقط في البحر ، وجعل يسير في الماء.
وعودة الحياة للحوت بعد موته كانت معجزة لموسى عليهالسلام ، علامة على مكان وجود الخضر. والخضر : هو لقب العبد الصالح الذي أمر موسى بالتعلم منه ، واسمه بليا بن ملكان ، والأصح أنه لم يكن نبيا.
(قالَ : أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ ، فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ ، وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ، وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً).
أي قال له فتاه : أرأيت (١) أي أخبرني ما وقع لي حين لجأنا إلى الصخرة في مجمع البحرين؟ فإني نسيت أن أخبرك بما حدث من أمر الحوت ، فإنه قد اضطرب وعاد حيا ووقع في البحر ، وما أنساني ذكر ذلك إلا الشيطان ، واتخذ الحوت مسلكه في البحر عجبا. والمراد بالنسيان : اشتغال قلب الإنسان بوساوس الشيطان التي هي من فعله.
(قالَ : ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ) أي قال موسى : هذا هو الذي نطلب ؛ لأنه أمارة الفوز بما نقصد.
(فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً) أي رجعا على طريقهما يقصان آثار مشيهما ،
__________________
(١) همزة أَرَأَيْتَ همزة الاستفهام ، ورَأَيْتَ على معناه الأصلي ، وإدخال الهمزة عليه للتعجب ، فإن المتعارف بين الناس أنه إذا حدث لأحدهم أمر عجيب قال لصاحبه : أرأيت ما حدث لي؟