(لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ، أَفَلا يَشْكُرُونَ) أي إن القصد من إنشاء الحب والجنات أن يأكل المخلوقون من ثمر المذكور من النخيل والأعناب ، ويأكلوا مما صنعته أيديهم من تلك الغراس والزروع أو الحبوب والثمار ، كالعصير والدبس ونحوهما ، وما ذاك كله إلا من رحمة الله تعالى بهم ، لا بقدرتهم وقوتهم ، فهلا يشكرونه على ما أنعم به عليهم من هذه النعم التي لا تعد ولا تحصى؟! وهذا أمر بالشكر من طريق إنكار تركه.
وقوله (مِنْ ثَمَرِهِ) عائد إلى ما ذكر قبل ذلك ، وقال الرازي : المشهور أنه عائد إلى الله. وقوله : (وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) يشمل في رأي الرازي الزراعة والتجارة.
ولما أمرهم تعالى بالشكر ، وشكر الله بالعبادة ، نبّه إلى أنهم لم يقتنعوا بالترك ، بل عبدوا غيره ، وأتوا بالشرك ، فقال :
(سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ ، وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) أي تنزيها عن الشريك لله الذي خلق الأنواع والأصناف كلها من مختلف الألوان والطعوم والأشكال ، من الزروع والثمار والنبات ، وخلق من النفوس الذكور والإناث ، وخلق مخلوقات شتى لا يعرفونها ، كما قال تعالى : (وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) [النحل ١٦ / ٨] وقال عزوجل : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ ، لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الذاريات ٥١ / ٤٩].
والخلاصة : أن خالق هذا الخلق العظيم من إنسان وحيوان ونبات وخالق أشياء لا نعلمها منزه عن الشريك والنظير ، قادر على كل شيء ، وفي الآية الأمر بالتنزيه عما لا يليق بالله تعالى ، كالأمر بالشكر في الآية المتقدمة.
وبعد الاستدلال على إمكان البعث والحشر بأحوال الأرض المكانية ، ذكر تعالى أدلة أربعة من أحوال الأزمنة ، فقال :