ثم ذكر الله تعالى له رخصة في التّحلل من يمينه ، فقال :
(وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ ، وَلا تَحْنَثْ) أي وخذ بيدك حزمة كبيرة من القضبان ، فاضرب بها زوجتك التي حلفت أن تجلدها مائة جلدة إن برئت من مرضك ، ولا تحنث في يمينك ، أي لا تترك العمل بمقتضى اليمين ، بسبب إبطائها في الرجوع ، وهي ليا بنت يعقوب ، أو رحمة بنت افرائيم بن يوسف.
ثم أثنى الله سبحانه على أيوب عليهالسلام قائلا :
(إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً ، نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) أي لقد وجدناه صابرا على البلاء الذي ابتليناه به في جسده ، وذهاب ماله وأهله وولده ، نعم العبد أيوب ، إنه رجّاع إلى الله بالتوبة والاستغفار ، زيادة في حسناته ورفع درجته ، لا بسبب ذنب جناه ، فجازيناه بتفريج كربته ، مع أنه ليس في الشكوى إلى الله إخلال بالصبر ، ولكن إيمان الأنبياء المطلق التام الذي يعرّفهم أن الله عليم بهم ، قد لا يطلبون من الله شيئا لإذهاب همهم وغمهم.
روي عن أيوب عليهالسلام أنه كان يقول كلما أصابته مصيبة : «اللهم أنت أخذت ، وأنت أعطيت» ، وكان يقول في مناجاته : «إلهي قد علمت أنه لم يخالف لساني قلبي ، ولم يتبع قلبي بصري ، ولم يلهني ما ملكت يميني ، ولم آكل إلا ومعي يتيم ، ولم أبت شبعان ولا كاسيا ، ومعي جائع أو عريان».
فقه الحياة أو الأحكام :
أرشدت الآيات إلى الأحكام التالية :
١ ـ لا مانع من دعاء الله تعالى والشكوى إليه عند المصاب ، وإن كان أيوب عليهالسلام صبر مدة طويلة على المرض ، ثم دعا ربّه لتفريج نوعين من المكروه : الألم الشديد في الجسم ، والغمّ الشديد بسبب زوال الخيرات وحصول المكروهات ، لذا ذكر الله تعالى لفظين وهما النّصب والعذاب.