التراخي في الوجود (١)(وَأَنْزَلَ لَكُمْ) وقضى لكم وقسم ، لأن قضاياه وقسمه موصوفة بالنزول من السماء ، حيث كتب في اللوح : كل كائن يكون. أو أحدث لكم بأسباب نازلة كأشعة الكواكب والأمطار (الْأَنْعامِ) الإبل والبقر والغنم ـ الضأن والمعز (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) أي جعل من كل صنف من الإبل والبقر والضأن والمعز ذكرا وأنثى. وهي جمع أزواج ، والزوج : اسم لكل واحد معه غيره ، فإن انفرد فهو فرد (خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ) أي بالتدرج من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى عظام مكسوة لحما (فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ) هي ظلمة البطن وظلمة الرحم ، وظلمة المشيمة أو الصلب (ذلِكُمُ) الذي هذه أفعاله (اللهُ رَبُّكُمْ) هو المستحق للعبادة والمالك (لَهُ الْمُلْكُ ، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) إذ لا يشاركه في الخلق غيره (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) أي يعدل بكم عن عبادته إلى عبادة غيره.
(غَنِيٌّ عَنْكُمْ) عن إيمانكم (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) رحمة عليهم (وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) لأنه سبب فلا حكم ، أي وإن تشكروا الله فتؤمنوا يرض الشكر لكم (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) لا تتحمل نفس آثمة ذنب نفس أخرى (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ ، فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) بالمحاسبة والمجازاة (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) بحديث النفس ، فلا تخفى عليه خافية من أعمالكم.
المناسبة :
بعد أن أبان الله تعالى في الآية المتقدمة كونه منزها عن الولد بكونه إلها واحدا قهارا غالبا ، أي كامل القدرة ، أعقبه ببيان الأدلة الدالة على الوحدانية وكمال القدرة وكمال الاستغناء عن أحد من خلقه ، فذكر ثلاثة أدلة : خلق السموات والأرض وما فيهما من العوالم ، وتذليل الشمس والقمر لقدرته ، وتسييرهما في نظام ومسار دقيقين ، وخلق الإنسان الأول وتشعيب الخلق منه ، وخلق ثمانية أزواج من أنواع الأنعام ذكرا وأنثى ، وفي كل دليل من هذه الأدلة أدلة ثلاثة أبينها بمشيئة الله هنا.
__________________
(١) يعني أن ثُمَّ كما تكون للترتيب في الزمن مع التراخي ، تكون أيضا لمطلق الترتيب. والمعطوف عليه هنا مقدر هو خلقها.