الحوائج من السّمحاء ، فإني جعلت فيهم رحمتي ، ولا تطلبوها من القاسية قلوبهم ، فإني جعلت فيهم سخطي».
وقال مالك بن دينار : ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة قلب ، وما غضب الله على قوم إلا نزع الرحمة من قلوبهم.
ثم وصف الله القرآن الذي يشرح الصدر ، فقال :
(اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ ، تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ، ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) أي الله (١) نزل أحسن الأحاديث وهو القرآن ، لما فيه من الخيرات والبركات والمنافع العامة والخاصة ، وهو كتاب يشبه بعضه بعضا في جمال النظم وحسن الإحكام والإعجاز ، وصحة المعاني ، وقوة المباني ، وبلوغه أعلى درجات البلاغة ، وتثنى فيه القصص وتردد ، وتتكرر فيه المواعظ والأحكام من أوامر ونواه ووعد ووعيد ، ويثنى في التلاوة فلا يملّ سامعه ، ولا يسأم قارئه.
إذا ذكرت آيات العذاب اقشعرت جلود الخائفين لله ، كما قال الزجاج ، وتضطرب النفس وترتعد بالخوف مما فيه من الوعيد. ثم تسكن وتطمئن الجلود والقلوب عند سماع آيات الرحمة ، قال قتادة : هذا نعت أولياء الله ، نعتهم بأنها تقشعر جلودهم ، ثم تطمئن قلوبهم إلى ذكر الله ، ولم ينعتهم بذهاب عقولهم والغشيان عليهم ، إنما ذلك في أهل البدع ، وهو من الشيطان.
عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضياللهعنهما قالت : كان أصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم إذا قرئ عليهم القرآن ، كما نعتهم الله ، تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم.
__________________
(١) الابتداء باسم الله وإسناد ضمير نَزَّلَ إليه : فيه تفخيم للمنزّل ورفع منه ، كما تقول : الملك أكرم فلانا.