تعالى الشعراء بقوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ) [الشعراء ٢٦ / ٢٢٥ ـ ٢٢٦] وقال العرب : أعذب الشعر أكذبه قال أبو حيان : والشعر: إنما هو كلام موزون مقفّى ، يدل على معنى تنتخبه الشعراء من كثرة التخييل وتزويق الكلام وغير ذلك ، مما يتورع المتدين عن إنشاده ، فضلا عن إنشائه (١).
أما القرآن الكريم فخبره صدق ، وكلامه عظة واقعية ، ومنهجه التشريع الذي يسعد البشر ، وقصده الترغيب في فضائل الأعمال وغرر الخصال والأخلاق ، والترهيب من الانحراف والرذيلة ، وتقرير أحكام العبادة الصحيحة والمعاملة الرشيدة.
فالآية دلت على نفي كون القرآن شعرا في قوله تعالى : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ) ، ونفي كون النبي شاعرا في قوله تعالى : (وَما يَنْبَغِي لَهُ) وإنما علّمه الله القرآن الذي يمتاز بخاصيّة معينة تختلف عن الشعر المعروف وعن النثر المألوف.
وهي رد قاطع على قول العرب أهل مكة : إن القرآن شعر أو سحر أو من عمل الكهان ، وإن محمدا شاعر ، قاصدين بذلك إبطال صفة الوحي به من عند الله ، وتكذيب خاصيّة الرسالة.
وأما ما ورد على لسان الرسول صلي الله عليه وآله وسلم من أقوال موزونة ، فهو مجرد سليقة اتفاقية من غير تكلف ولا صنعة ولا قصد ، مثل قوله يوم حنين وهو راكب البغلة البيضاء يقدم بها في نحور العدو :
أنا النبي لا كذب |
|
أنا ابن عبد المطلب |
__________________
(١) البحر المحيط : ٧ / ٣٤٥