٤ ـ (وَقالَ الَّذِي آمَنَ : يا قَوْمِ ، إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ ، مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) أي لقد حذر هذا الرجل المؤمن الصالح قومه بأس الله تعالى في الدنيا والآخرة ، فبدأ بتخويف العذاب الدنيوي ، فقال : يا قومي ، إني أخشى عليكم إن كذبتم موسى أن يصيبكم مثلما أصاب الأقوام الذين تحزبوا على أنبيائهم وكذبوا رسلهم من الأمم الماضية ، كقوم نوح وعاد وثمود ومن بعدهم كقوم لوط ، فقد حل بهم بأس الله ، ولم يجدوا لهم ناصرا ينصرهم ، ولا عاصما يحميهم. فقوله (مِثْلَ دَأْبِ ..) أي مثل حالهم في العذاب ، أو مثل عادتهم في الإقامة على التكذيب.
(وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) أي لا يريد الله إلحاق ظلم بعباده ، فلم يهلكهم بغير جرم ، إنما أهلكهم بذنوبهم وتكذيبهم رسله ، ومخالفتهم أمره.
ثم خوفهم العذاب الأخروي ، فقال :
٥ ـ (وَيا قَوْمِ ، إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ ، يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ، ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ) أي ويا قومي ، إني أخشى عليكم عذاب يوم القيامة ، حين ينادي بعضكم بعضا مستغيثا به من الأهوال ، أو حين ينادي أهل النار أهل الجنة ، وأهل الجنة أهل النار ، كما قال تعالى : (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا ، فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ، قالُوا : نَعَمْ) [الأعراف ٧ / ٤٤] وقال سبحانه : (وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ) [الأعراف ٧ / ٤٨]. وقال عزوجل : (وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) [الأعراف ٧ / ٥٠].
وحين تفرّون هاربين من النار ، أو منصرفين عن الموقف إلى النار ، لا تجدون واقيا ولا مانعا ولا عاصما يعصمكم من عذاب الله ويمنعكم منه ، وهذا تأكيد للتهديد.