حصول ذلك بكسبهم وجهدهم وجدّهم ، وهذا تناقض قبيح صارخ. والحقيقة أن ما أوتوه من النعمة فتنة واختبار ليعرف شكرهم أو كفرهم ، وأما مقالتهم فهي قديمة قالها كثير قبلهم كقارون وغيره.
ثم أبان تعالى أن الله وحده مصدر الرزق ، يوسعه لمن يشاء ، ويضيقه على من يشاء ، بدليل اختلاف الناس في سعة الرزق وضيقه ، سواء من المؤمنين والكافرين ، وليس جمع الثروة أو ضعفها بعقل الرجل وجهله ، أو كياسته وخبرته وغباوته ، وإنما بتوفيق الله وتيسيره.
التفسير والبيان :
يخبر الله تعالى عن سوء طبع الإنسان وحاله ، فيقول :
(فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ، ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا ، قالَ : إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ ، بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ ، وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أي إذا أصاب الإنسان المشرك وغيره ضر من فقر أو مرض أو غيرهما ، تضرع إلى الله عزوجل ، واستعان به لكشف الضر عنه ، وإذا أعطاه الله نعمة من مال أو جاه أو غيرهما ، بغى وطغى ، وقال : إنما أعطيته على علم ومهارة مني بوجوه المكاسب ، أو لما يعلم الله تعالى من استحقاقي وتأهلي له. قيل : نزلت في حذيفة بن المغيرة.
والحقيقة : ليس الإعطاء لما ذكرت ، وليس الأمر كما زعمت ، بل هو محنة لك ، واختبار لحالك ، وقد أنعمنا عليك بهذه النعمة لنختبرك فيما أنعمنا عليك ، أتشكر أم تكفر؟ أتطيع أم تعصي؟ مع علمنا المتقدم بذلك ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن ذلك استدراج لهم من الله ، وامتحان لما عندهم من الشكر أو الكفر ، فلهذا يقولون ما يقولون ، ويدّعون ما يدّعون.
ويلاحظ أن لفظ النعمة مؤنث ، ومعناه مذكر ، لذا حينما قال : (بَلْ