هِيَ فِتْنَةٌ) راعى التأنيث ، وحينما قال : (إِنَّما أُوتِيتُهُ) راعى التذكير ، وكلا الأمرين جائز.
ثم أوضح الله تعالى قدم مقالتهم وسبقهم بها ، فقال :
(قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ، فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) أي قد قال هذه المقالة أو الكلمة ، وهي قولهم : (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ) وزعم هذا الزعم ، وادعى هذه الدعوى كثير ممن سلف من الأمم ، كقارون وغيره ، فما صح قولهم ، ولم يغن عنهم ما كسبوا من متاع الدنيا شيئا ، ولا نفعهم جمعهم المال الكثير ، لذا قال تعالى :
(فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) أي فحلّ بهم جزاء سيئات ما كسبوا من الأعمال ، فعوقبوا في الدنيا كالخسف بقارون وبداره الأرض ، وسيعاقبون أشد العذاب في الآخرة. ونظير الآية قوله تعالى عن قارون : (قالَ : إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي ، أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً ، وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) [القصص ٢٨ / ٧٨].
وقوله سبحانه : (وَقالُوا : نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً ، وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) [سبأ ٣٤ / ٣٥].
ثم هدد الله تعالى وأوعد مشركي مكة بعقاب مماثل ، فقال :
(وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا ، وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ) أي والذين ظلموا من هؤلاء الموجودين من الكفار ، ومنهم مشركو مكة ، سيصيبهم أيضا وبال كسبهم الأعمال المنكرة ، كما أصاب من قبلهم ، من القحط والقتل والأسر والقهر ، وما هم بفائتين على الله ، هربا يوم القيامة ، بل مرجعهم إليه ، يصنع بهم ما يشاء من العقوبة ، ودليل قدرته العظمى ما قال :