وروى ابن أبي حاتم أيضا والحافظ أبو نعيم عن يزيد بن الأصم قال : كان رجل من أهل الشام ذو بأس ، وكان يفد إلى عمر بن الخطاب رضياللهعنه ، ففقده عمر ، فقال : ما فعل فلان بن فلان؟ فقالوا : يا أمير المؤمنين ، تتابع في هذا الشراب. فدعا عمر كاتبه ، فقال :
اكتب من عمر بن الخطاب إلى فلان بن فلان ، سلام عليك ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو (غافِرِ الذَّنْبِ ، وَقابِلِ التَّوْبِ ، شَدِيدِ الْعِقابِ ، ذِي الطَّوْلِ ، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ، إِلَيْهِ الْمَصِيرُ). ثم قال لأصحابه : ادعوا الله لأخيكم أن يقبل بقلبه ويتوب الله عليه.
فلما بلغ الرجل كتاب عمر رضياللهعنه جعل يقرؤه ويردده ، ويقول : (غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ) قد حذّرني عقوبته ، ووعدني أن يغفر لي. فلم يزل يرددها على نفسه ، ثم بكى ، ثم نزع فأحسن النزع.
فلما بلغ عمر خبره قال : هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أخا لكم زلّ زلّة ، فسدّدوه ووثّقوه ، وادعوا الله له أن يتوب عليه ، ولا تكونوا أعوانا للشيطان عليه.
٣ ـ قد يعفو الله تعالى عن الذنوب الصغائر بتوبة أو بغير توبة ، وقد يعفو أيضا عن الكبائر كالقتل والسرقة والزنى بعد التوبة ، وإطلاق الآية (غافِرِ الذَّنْبِ) يدل على كونه غافرا للذنوب الكبائر قبل التوبة ، إذا شاء وأراد.
ولكن قبول التوبة من الذنب يقع على سبيل التفضل والإحسان من الله ، وليس بواجب على الله ، لأنه تعالى ذكر كونه قابلا للتوب على سبيل المدح والثناء ، ولو كان ذلك من الواجبات لم يبق فيه من معنى المدح إلا القليل. وقالت المعتزلة : إنه واجب على الله بإيجاب منه على نفسه ، لا بإيجاب غيره عليه.