العريضة مقام ومأوى وسكنى لهؤلاء الكافرين. وفيه تنبيه على علة كذبهم وتكذيبهم ، وهو الكفر. والمراد : ألا يكفيهم العذاب في جهنم جزاء على أعمالهم؟ وهو استفهام تقرير وإثبات ، لا نفي.
ثم أتبع الوعيد السابق بوعد الصادقين المصدقين ، فقال :
(وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ، أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) أي أما الذي جاء بالصدق والقول الحق وهو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخاتم الأنبياء وإمام الرسل ، والذين صدقوا به وآمنوا بأنه رسول من عند الله وهم أتباعه المؤمنون ، وأيقنوا أن القرآن كلام الله تبيان كل شيء وخير وسعادة للبشرية جمعاء ، فأولئك هم الذين اتقوا الله ، وتجنبوا الشرك ، وتبرؤوا من الأصنام والأوثان.
وثواب هؤلاء ما قال تعالى :
(لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ، ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ) أي لهم ما يطلبون عند ربهم في الجنان ، من رفع الدرجات ، ودفع المضرّات ، وتكفير السيئات ، فضلا عن أن في الجنة ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، وذلك جزاء الذين أحسنوا في أعمالهم. والإحسان كما ثبت في الصحيح لدى الشيخين عن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : «الإحسان : أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه ، فإنه يراك».
وعلة هذا الجزاء :
(لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا ، وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) وعدهم الله بما سبق ليكفر عنهم سيء ما عملوا ، ويجزيهم أجرهم كاملا بالمحاسن من أعمالهم ، ولا يجزيهم بالمساوئ. وإذا غفر لهم ما هو الأسوأ من أعمالهم ، غفر لهم ما دونه بطريق أولى. والحسن الذي يعملونه هو الأحسن عند الله تعالى.