وأما شراب أهل النار : فهو أن يسقوا من ماء حار شديد الغليان لا يستطاع ، ولكنهم يضطرون إلى شربه ، فيقطّع الأمعاء والأحشاء ، ويذيب ما في البطون لفرط حرارته ، فهل شرابهم كشراب أهل الجنة المار الذكر والموصوف بما سبق؟
فقه الحياة أو الأحكام :
قارن الله تعالى بين نوعين من جزاء المؤمنين المتقين ، والكافرين الظالمين ، وهي مقارنة تستوجب التأمل ، وتبيّن مدى الفرق الشاسع بين المرغب فيه والمرهب منه.
فمشروب المتقين من أنهار أربعة : الماء واللبن والخمر اللذيذة غير المسكرة والعسل ، ومأكولهم مختلف أصناف الثمار ، وأما شراب أهل النار فهو الماء الشديد الحرارة أو الغليان الذي يقطّع الأمعاء ، إذا دنا منهم شوى وجوههم ، وسقطت فروة رؤوسهم ، فإذا شربوه قطّع أمعاءهم وأخرجها من أدبارهم. وليس هو ماء حميم فحسب ، لأن مجرد الحرارة لا يقطع ، بل هو ماء حميم مخصوص يقطع.
ولأهل الجنة مع ذلك كله المغفرة من ربّهم لذنوبهم ، ورضوان الله عليهم ، ولأهل النار السخط والغضب الإلهي ، والهزء والسخرية ، والتوبيخ والتقريع.
والكل في خلود دائم ، أهل الجنة خالدون ماكثون فيها على الدوام يرفلون بالنعيم الدائم ، وأهل النار خالدون مقيمون فيها أبدا ، يتلظون بحر السعير الملتهب المستمر.
قال ابن كيسان : مثل هذه الجنة فيها الثمار والأنهار كمثل النار التي فيها الحميم والزّقّوم. ومثل أهل الجنة في النعيم المقيم كمثل أهل النار في العذاب المقيم ، أي أمثل هؤلاء كهؤلاء؟! وقال الفراء : أفمن يخلد في هذا النعيم كمن يخلد في النار؟! جعلنا الله من أهل الجنان ، وأعاذنا من حرّ النيران.